لا أدري إن كان ليبراليًا أو يساريًا، ولكنه على أية حال ليس إسلاميًا، ولا أدري أي شيء عن إلتزامه الديني، ولا أدري عن مرجعيته الفقهية، بل ولا عن رمزه الوطني، كما أنني لا أدري شيئًا لا عن مستواه العلمي ولا الثقافي، فأنا لم أرى له بحثًا أو مؤلفًا أو طرحًا في حياتي..
لم أجد له جهازًا إعلاميًا يروج لأفكاره أو مبانيه أو توجهاته، ولم أجد أيضًا لصاحله موظفين يدافعون عنه بتكليف من أي نوع..
ولكنني كما الجميع أراه وقد سكن القلوب، فبات محل احترام وتقدير فاق به الكثير من العاملين من خلال أجهزة نشر وترويج، حتى أن قاصديه ممن يريدون التقاط صورة معه أو مصافحة أو حتى ابتسامة، يذكرون المتابع بمشاهير كرة القدم وأمثالهم..
التقيته مرات قليلة ربما في اجتماع أو فعالية اعتصامية أو تضامنية ولم أجد له مشاركة كمشاركات الآخرين إلا بقدر الحدث وبشكل مركز جدًا وبسيط جدًا، إلا وكما قلت قبل قليل بأنه اليوم محط عناية الكبار والصغار رجالًا ونساءًا.. لماذا يا ترى، وكيف؟
بحثت في الأمر كثيرًا فلم أتوصل إلا لإجابة واحدة أوحدية لا شريك لها.. لقد أعطى الناس ووقف معهم في محنهم وقفات شخصية بلا تمثيل من أحد أو نيابة..
أينما توجد الصعاب وُجِد، وأينما يحتاج الناس إلى وقفة وقف.. في الميدان.. في الفضاء الالكتروني.. داخل الحدود وخارجها.. في الأتراح قبل الأفراح، لم يشتغل – بحسب ما نرى – إلا بهموم الناس ومهمة إيصالها لمختلف بقاع العالم، ولم يطلب منهم لا ولاء ولا انحناء، بل لم أجده يومًا ممن يصدرون القرارات ويأمرون وينهون.. هو فقط وقف مع الناس وقفة لا تُفهم إلا على أنها وقفة صدق بلا أدنى مقابل..
بالرغم من أنني لم أجده إسلاميًا، إلا أنني على يقين تام من أنه يطبق بُعدًا مهمًا من أبعاد الإسلام، وهو بُعد التكافل الاجتماعي بشكل واضح وصريح.. آخى الناس وكأنه يطبق قول الله تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)، ركز على الغاية التي تتفق عليها مختلف شرائح الشعب الناهض في ثورة 14 فبراير فتجاوز كل ما من شأنه إثارة الفتن والشقاق، فأصبح مثالًا يحتذى به كمصداق من مصاديق مفهوم قوله تعالى (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)، يهب منذ انطلاق الثورة لإغاثة الملهوف دون أدنى تردد، وكأنه ينفذ قول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): “ من أغاث ملهوفًا كتب الله له ثلاثًا وسبعين حسنة: واحدة منها يصلح بها آخرته ودنياه والباقي في الدرجات”..
عندما كان بين الناس ولم يفكر في إقصاء فلان أو ضرب فلان أو تهميش فلان، وفقط اهتم بالهدف الذي يسعى إليه مع الشعب، فإنه لم يحتاج إلى موظفين يروجون له ويرفعون صوره ويعملون من أجله كشخص، بل إن كل ذلك قد تحقق بالفعل تلقائيًا، فقد أحبه الناس حبًا صادقًا حقيقيًا كما نرى ونلمس..
إنني هنا أركز على أمرين:
الأول: البعد الواقعي دون النظر إلى التسميات.
الثاني: كيف لنا أن نكرر هذه الظاهرة في المجتمع.
أما الأمر الأول فطالما ذكرت في غير محل أن الأهم دائمًا هو البعد الإنساني في الفرد، والذي ما إن يتمكن من شخصيته حتى يحوله إلى طاقة خير فاعلة بين الناس، وهذا ما يرعاه الإسلام بشكل دقيق جدًا، فحالما نرجع إلى قرآننا العظيم والعترة الطاهرة فإننا وبلا أدنى شك نتمكن من تحويل المجتمع إلى حالة من العطاء الصادق كما هي عند هذا الرجل الذي لا نعرف له لا توجهًا ولا مرجعية، لذا فإنني أتسائل: لو أن هكذا صدق وإخلاص أحيط برعاية الإسلام دينًا وتدينًا، أي نعمة تلك التي سنكون فيها؟ لا أشك في أنها جنّة الأرض لا محالة..
وأما الأمر الثاني فمحوره القصد، فالذي يعمل إلى جانب من نتحدث عنه، هل يعمل لمكاسب سياسية أو لترشح برلماني قادم أو لأرباح جماهيرية؟ إذا كان القصد هذه الغاية فهي على خلاف صاحبنا الذي – وكما هو ظاهر من سيرته العملية – لا يطمح لأي من هذه المرامي، ولكنه يعمل فقط لحلاوة العمل ورقي مقاصده، فإذا أردنا نشر هذه الظاهرة في المجتمع كان من اللازم علينا أولًا إبراز ثقافة الإخلاص في العمل ونبذ التسلق وألوان التملق، وهذه ثقافة موجودة في قرارة النفس الإنسانية ويزكيها الإسلام بتفوق وامتياز.
نحتاج اليوم ونحن في هذه المرحلة التاريخية المميزة إلى فهم الحياة بشكل جيد، والتأكيد على أن شهواتها زائلة لا محالة، ولا يبقى غير العمل الصالح الصادق، فإما أن يكون الراحل عنها ممن يترحم الناس عليه، وإلا فهو ممن يلعنه القاصي والداني، وثالث الاحتمالات أن لا يكون من المذكورين أصلًا.
أذكر أخيرًا أن أحد الشباب (15 سنة) قال لي: سيدنا إنني أحب (….) حبًا كثيرًا..
قلت له: لماذا؟
فقال: لا أشعر بأنه من المشهورين المرموقين في المجتمع، فهو يمزح معنا ويلاعبنا في وقت يكون الجميع فيه مشغول بالناس والحدث.
تذكرت حينها جواب الصحابة عندما سؤلوا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقالوا: “كان فينا كأحدنا”.
السيد محمد علي العلوي
9 من ذي الحجة 1432هـ / 6 نوفمبر 2011م