منافقون، كذابون، بل ومضرون بالمجتمع والإسلام أيضًا، كانوا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن الصفوف الأولى من المسلمين، وأكثر من ذلك أن الله تعالى قد أنزل فيهم آيات قرآنية منها العام ومنها الخاص المُعَيِّن، ولكن الملفت للنظر أن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) لم يكلف نفسه أكثر من البيان القرآني وتبليغ المفاهيم الكلية الضابطية، وانصرف بعد ذلك لمواصلة المسير في مشروعه الإسلامي العظيم، وهذا السلوك الثقافي يعده علماء الأجتماع من أهم أسباب نجاح المسيرة الإسلامية بالرغم من أجواء الضغط المضادة على طول الخط منذ الصدر الأول مرورًا بالمسيرة العتروية للأئمة الأطهار (عليهم السلام).
من الطبيعي جدًا أن يكون لك الموافق وغيره المخالف، ومن الموافقين هناك من يقدسك وآخر يوجه لك النقد طلبًا للتصحيح والتقويم، ومن المخالفين فهناك من يحترمك وفي جهة أخرى يتوثب عليك من يكيد لك ويحقد عليك ويحيك من خلفك المكائد ويحفر أمامك المطبات، إنها سنة الحياة وطبيعة البشر منذ خلق الله تعالى آدم وسيبقى الحال هكذا حتى قيام الساعة، ثم (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)، وبالرغم من أن هذا واقع وطبيعة بشرية إلا أن الإنشغال بالبينيات عن التحرك بمشروع واضح فهذا في الغالب يحمل من الضرر ما قد يفوق الذي تتوقعه ممن توجه نقدك أو رفضك له، فالحياة تجارب ومشاريع وحراك لن يتوقف عندي أو عندك أو عند غيرنا، والحاذق هو من يحمل مشروعه ويمضي قدمًا عاملًا بجد على تحويله إلى واقع يتنفس بين الناس.
هناك قانون إلهي حاسم قد صرح به الله تعالى في قوله (كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا)، فالعامل المتحرك سواء كان صادقًا أم منافقًا فإنه يحصد نتاج عمله وحراكه، وهذا من تمام عدل الله سبحانه وتعالى، فإنه (من جد وجد ومن زرع حصد ومن سار على الدرب وصل)، أما المتشاغل عن العمل المنشغل بملاحقة الآخرين فقط وفقط فسيبقى في محله يراوح وربما ضلل معه مجموعة من التائهين، أما الآخر فسوف يحقق الانجازات تلو الانجازات حتى تسلم الدنيا له نفسها راغمة، شاء من شاء وأبى من أبى.
إننا اليوم في أمس الحاجة إلى بروز خطوط تأسيسية جديدة تأخذ مسارها محتكمة إلى قانون أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي صرح به إلى ابنه محمد بن الحنفية عندما أعطاه الراية يوم الجمل: “تزول الجبال ولا تزل.. عض على ناجذك.. أعر الله جمجمتك.. تد في الأرض قدمك.. أرم ببصرك أقصى القوم.. وغض بصرك، واعلم أن النصر من عند الله سبحانه”.
هكذا ينبغي لنا أن نكون. بلى، من الواجب ثقافيًا وفكريًا المحافظة على النقد روحًا وعملًا، ولا خطوط حمراء مادامت الحاكمية للأخلاق والقيم، ولكن حذار من أن يكون النقد شاغالًا عن العمل، وهذا ما أريد إيصاله إلى القارئ الكريم الذي أقول له ولنفسي قبله:
فليكن كل واحد منا أمة، ولنستحضر قول أمير المؤمنين (عليه السلام): “أتزعم أنك جرم صغير، وفيك انطوى العالم الأكبر”..
نعم، كل منا قادر على صناعة واقع جديد يفرض على الأيام مستقبلًا يناسب تطلعاتنا، ولكن بشرط أن نتحرك، نتحرك ونتجنب المراوحة في نفس المكان والإنشغال بقال وقيل وراح وجاء وقام وقعد، وهنا أكرر بأن النقد حق محفوظ للمجتمع على كل واحد منا، ولا مصادمة بين الأمرين مطلقًا.
أعاننا الله وإياكم وأعاذنا من شرور أنفسنا (إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
السيد محمد علي العلوي
14 ربيع الأول 1434هـ/ 26 يناير 2013م