إنَّ الفلسفة التي أقصدها من العنوان تتناول جانب التحليل والنظر في الغايات وربط الشيء بغايته، وملاحظة كيفية تحقيقه للغاية، فهي محاولةٌ لفهم الشيء وتعقله.
وأعرض في هذا المقال والمقالات الآتية بإذن الله تعالى محاولات لفهم وتعقل الفريضة العظيمة التي فرضها الله علينا وهي فريضة (الصوم).
وأخصُّ هذا المقال بأن يكون مقدمة وتوطئة لما يأتي في المقالات القادمة، وأتصور أنَّها توطئة ضرورية لمعرفة قيمة المحاولات التي سأطرحها:
أتصورُ أنّ فعل الإنسان وممارسته من حيث تأثيره على نفسه وملكاتها وكمالها مرتبطٌ بقدر تعقله وفهمه والفلسفة التي يقدِّمها لنفسه حول ممارسته، وبقدر ارتباطه بفلسفته أثناء فعله سيرتقي بنفسه، وبقدر سعتها وعمقها سيكون فعله متجددًا ومؤديًا للغرض المراد منه.
فالحاصلُ أنَّ التنظير مرتبطٌ ارتباطًا وثيقًا بالممارسة.
من هنا يمكن أن أقول أنَّ فلسفة الفعل والممارسة (كالصوم) لها جانبان:
الجانب الذاتي: أن تكون الفلسفة للفعل والممارسة من حيث نفسها وشأنها.
الجانبُ الشخصي: أن تكون الفلسفة للفعل والممارسة هي الفلسفة والفهم الذي يفهمه الفرد.
فيمكنُ أن نقرر فلسفة للممارسة والفعل من وجهة ذاتية، لكن على الجانب الشخصي لا نجدُ لها معتقدًا يُجري ممارسته على وفقها، وهذا لا يعني أنَّ هذه الفلسفة الذاتية ليست من شأن الممارسة والفعل.
وأضيفُ أنَّه يمكنُ أن تتعدد الفلسفات من وجهتها الذاتية ومن وجهتها الشخصية، وتعددها من الوجهة الأولى من حيث عمق الفلسفة ودقتها والمفاهيم التي تَمَّ الانطلاق منها، وتعددها من وجهتها الثانية الشخصية من حيث تعدد أنفس البشر وقدر تعقلهم وكلي شخصيتهم.
وما سنعرضه هو النوع الأول من الفلسفة فسيكونُ المعروض كافيًا لفهم المقصود من هذه الفلسفة، فلذا نمثل على النوع الثاني وهو الفلسفة الشخصية للممارسة:
قد تكون فلسفة البعض لصيامه أنْ يُسقط التكليف الذي كلفه الله به عن نفسه، ولا يريد من امتثاله غير ذلك. فهذا الشخص بقدر فلسفته تكون مشاعره وميوله تجاه ممارسته فما أن يأتيه الخاطر بالأكل ويشعر بالجوع إلَّا وتحسّرتْ نفسهُ وزاد انتظارهُ لوقت الإفطار ليتخلّص من العسر الذي هو فيه، وتجده يمنِّي نفسه كل يومٍ أن يهلَّ هلالُ العيد وينتهي من العذاب الذي هو فيه. (هذا لسان فلسفته).
هذه فلسفة شخصية متطرفةٌ قد لا يكونُ لها مصداق واقعي لكن يمكن القياس عليها ومعرفة الدرجات الأخرى الأقل تطرفًا.
ويهمُّنا الآن من هذه الفلسفة الشخصية أن نقيمها من حيث تأثيرها على الممارسة: إنّ حظَّ ممارسة هذا الشخص على نفسه وكماله بقدر فلسفته الناشئة عن شخصيته (ميوله، أهوائه، تعقله،…)، وقد أوصله تعقله أنْ يأخذ على نفسه أن يمتثل أمر الله بالصوم ولكن ذلك بميول سلبية تجاه هذا التكليف، فحظّهُ من آثار ممارسته وفعله هو حظُّ فلسفته، فإن تأثير صومه على نفسه وكمالها إيجابًا من جهة طاعته لأمر الله، لكنَّه لن يكون على ارتباطٍ بفعله بحيث يوصله إلى الترقي في مدارج الكمال وصفاء النفس وطهارة الروح إلا بلطف ورحمة من الله سبحانه، فكم من صائم ليس من صومه إلا الجوع والعطش.
وأختمُ المقال بمقطعٍ من حديثٍ لأمير المؤمنين (ع) ليكون لي مستندًا فيما سأطرحه في المقالات القادمة، قال (ع): “ألا لا خير في عبادةٍ ليس فيها تفكر”.
مهدي صالح الجمري