الانتصار و(الزواج المبكر)..!

بواسطة Admin
0 تعليق

قبل قرابة العشرين سنة أتخطر أنني كنت في جلسة مع بعض الأصدقاء وكان الحديث عن فلسطين وآهاتها، وقلت حينها بأن مجموعة من العوامل نحتاجها كمقدمة لتحرير فلسطين وقبلها تحرير أنفسنا من ذل العبودية لغير الله سبحانه وتعالى، ومن تلك العوامل المهمة جدًا عامل (الزواج المبكر)!!

أذكر أن أحدًا من الموجودين لم يسألني: كيف، ولماذا؟ فكلامي لم يكن مثيرًا لهم على الإطلاق؛ إذ ما الربط بين فلسطين وبين الزواج المبكر؟؟!!

كتبتُ في بعض أوراقي: عندما لا يحقق الإنسان حد الإعتدال أو ما هو قريب منه في عمق بواعثه النفسانية فهو لا يمكن أن يكون مفكرًا مدركًا واعيًا، والأكثر سوءًا أن يجد هذا الإنسان نفسه في مواجهة مباشرة مع قوى الإفراط والتفريط في تلك البواعث فلا يقوى حينها على غير التفكير في موقفه من هذا الصراع، وهو صراع صعب بل صعب جدًا.. شاب في مقتبل العمر كانت مشيئة الله سبحانه وتعالى أن يبلغ ويدخل عالم الرجولة وهو في الخامسة عشر من عمره، ولو كان بنتًا ففي العاشرة، وهذا يعني أنه الآن مقبل على حياة جديدة يدخل فيها عامل الغريزة الجنسية بقوة، ومن العبط بل من الغباء الثقافي أن يقال لهذه الغريزة: توقفي الآن ولتحترقي حتى ينهي ولدنا مراحله الدراسية ويدخل الجامعة ويُكَوِّن نفسه ثم يبحث عن بنت الحلال، أو ياتيها ابن الحلال، و(في أمان الله)!! 

هو غباء لأن الغريزة موجودة.. الطاقة موجودة.. إنها سنة الله تعالى في خلقه البشري، إنها سنته التي تطاولنا عليها وعبثنا وتلاعبنا فيها بكل جرأة وكأننا شركاء الباري جلَّ في علاه، فهذا الشاب الذي أراد الله تعالى له أن يكون رجلًا نحن وبتربويات مستوردة وسياسات تعليم مبسترة أردناه طفلًا نحبس غرائزه في داخله لمدة لا تقل على خمس سنوات للشاب بعد البلوغ وثمان للشابة، هذا وفي نفس الوقت فتحنا أبواب الاختلاط وجعلناه معيارًا للتقدم والحضارة والرقي.. قربنا النار من البنزين وقلنا لأي حريق ينتج: عيب!!

كبت نفسي أو انحراف خلقي وفي كلا الحالتين مرض وعقد تنعكس على المجتمع وبالًا ومُرًا، فالشاب مشغول بمئات الصور (الأنثوية) التي تقتحم ذهنه بلا استئذان ولا حياء، فلا شاشة التلفزيون ترحمه ولا المجمعات التجارية ولا الشوارع ولا حتى أهله.. ومثله الشابة عندما تحلم بفارسها الذي يشبه فلان في طوله وعلَّان في عطره و(فلتان) في رجولته، ومن هنا تتسلسل الأفكار وتقع الحوادث بما يحول الشباب إلى أوعية مفرغة من القدرة على حمل هم القضية التي خلقنا الله عز وجل من أجلها، ثم نأتي ونستنكر سكوتنا مجتمعيًا وأمميًا على حكام جور قد أرهقوا كواهلنا، ونتسائل عن فلسطين متى تحريرها؟؟!!

في الغرب الأمر مختلف جدًا، فقضية الغريزة الجنسية لا تشكل بالنسبة لهم عائقًا أبدًا؛ إذ أن نظرية (الصداقة) بين الجنسين وممارسة الحياة الزوجية في بعدها الجنسي ليست مشروطة بعقد نكاح وتسجيل في المحكمة.. نعم تظهر مشاكلهم من زوايا أخرى، إلا أن ما أريد قوله هو أن استيرادنا لمناهج التربية والتعليم الغربية مسألة في غاية التخلف وفي منتهى الصنمية.

كانت مقدمة طويلة، ولكنني وجدتها مناسبة جدًا لما أريد قوله في هذه السطور..

نحتاج إلى تحليل تسلسلي يكون البيان فيه لفاء التفريع والترتب حتى ننتقل من معلول إلى علة وهكذا لنجمع ما نستطيع من علل أو أجزاء علة اجتمعت فصنعت لنا معلولًا نعيشه اليوم، وبهذا المنهج عندما نفكر في ثورة 14 فبراير –مثلًا- فإننا نقول:

لماذا كانت الثورة؟ فيقال: من ضغوط الظلم والجور والاستبداد. فنقول: ولماذا كان هذا الظلم والجور والاستبداد؟ فيقال: هم ظالمون جائرون قطاع طرق. فنقول: ولماذا قدروا علينا؟ فيقال: ….

وهكذا تأخذ الأسئلة وأجوبتها مداها أفقيًا ورأسيًا حتى نحرر وبدقة عالية أصول المشكلة ومناشئها، فيكون العلاج بما يرفع العلة وبالتالي يرتفع المعلول قهرًا، وسوف نرى بمجرد أن نمارس هذا المستوى المتقدم من الموضوعية في النظر والتحليل أن مشكلاتنا في الغالب تعود إلى أسباب لا تخطر على البال أصلًا، وذلك لبعدها التحليلي، فمشكلة سياسية –مثلًا- يكون حلها تربويًا، ومعضلة اقتصادية ترجع في منشئها إلى مشكلة اجتماعية، وهكذا هي حوادث الحياة ووقائعها مترابطة متداخلة بشكل كبير جدًا ومعقد جدًا لا يقوى عليه إلا من يوفقه الله تعالى لحسن التحليل والإرجاع.

ما هو مطلبنا اليوم؟ إلى ماذا نسعى؟ هل هدفنا هو إسقاط النظام أو إصلاحه؟ هل خياراتنا محصورة في الثورة أو المعارضة السياسية؟

إننا في حاجة ماسة إلى جيل يفهم معنى القضية ويدرك أهمية حملها وتحملها وقبل ذلك موقعه عند الله تعالى منها، فنحن مسؤولون أمام الخالق تبارك ذكره، ولا أحد خارج المعادلة العظمى للسماء، ولذلك فإنني أقولها واثقًا:

مشكلتنا الأصل ليست مع هذا النظام الفاسد، ولا هي في الحوار أو رفض الحوار، ولا هي في سلمية أو غير سلمية، ولا في خطبة جمعة أو مؤتمر صحفي أو تصريح أو بيان، ولا هي في حراك الشارع وثورته.. هذه كلها آثار لمؤثرات ومقتضيات لاقتضاءات، وإن أردنا الانتهاء إلى خير ما أراد الله تعالى لنا، كان لزامًا علينا تحقيق الموازنة الدقيقة بين معالجة هذه الطارءات مع التركيز الحقيقي على التعامل بإيجابية تامة مع الأصول والتفكير الجدي في الكيفية التي تمكننا من صناعة واقع جديد، وهذا لا يمكن أن يكون أبدًا إلا بمعالجة أصول المشاكل والتي منها مشكلة (تأخير الزواج)..!! والسلام.

 

السيد محمد علي العلوي

26 ربيع الثاني 1433هـ / 20 مارس 2012م

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.