محورية الروايات الشريفة في حياة المؤمن II بقلم: الشَّيخ حسين شاكر

بواسطة Admin
0 تعليق 103 مشاهدة

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

لا يخفى على القارئ العزيز أننا في زمن فتنة وابتلاء، كما جاء في العديد من الروايات، منها ما جاء في الكافي الشريف عن الصادق (عليه السلام)، قال: (لا بُد للناس من أن يُمَحَصوا، ويُمَيَزوا، ويُغَربلوا، ويُستَخرَجَ في الغِربَالِ خلقٌ كثير) [الكافي، كتاب الإيمان و الكفر، باب التمحيص و الامتحان، ح2]، ففي قوله (عليه السلام) في نهاية الحديث: (يُستَخرَجَ في الغِربَالِ خلقٌ كثير) دلالة على كثرة من تزل أقدامهم في هذا الاختبار.

قد ينقدح في ذهن من يعطي هذا الحديث حقه من التأمل سؤالٌ مهم، وهو: كيف لنا أن نحمي أنفسنا من زلل الأقدام في هذا الزمن الذي انتشرت فيه الفتن من علمانيةٍ وحداثةٍ وما إلى ذلك من الفتن التي تحرف المؤمنين عن طريق الحق والصواب؟

جواب هذا السؤال قد جاء على لسان الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) في حديث الثقلين حيث قال: (إني تاركُ فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي)، في هذا الحديث الشريف يوضح رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن التمسك بالقرآن الشريف والعترة الطاهرة عاصم عن الزيغ والضلال، وقد بيِّنا في مقالٍ سابق واجبنا تجاه القرآن الكريم وكيفية التمسك به ونشرع في مقالنا هذا في بيان أهمية العترة الشريفة وكيفية التمسك بها، سائلين من العلي القدير أن يوفقنا في بيان ذلك.

أولاً: أهل البيت (عليهم السلام) هم مصدر العلوم:

بيَّن أهل البيت (عليهم السلام) في العديد من الروايات أنهم – مع القرآن الكريم – المصدر الوحيد لعلوم الدين ومعارفه، وكيف يُتَصورُ خلاف ذلك وهم من نزل الوحي في بيوتهم وعلى جدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟

نذكر روايتين وردتا في الكافي الشريف تؤيدان ما ذكرناه:

  • روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: (عجبا للناس إنهم أخذوا علمهم كله عن رسول الله صلى الله عليه وآله، فعملوا به واهتدوا ويرون أن أهل بيته لم يأخذوا علمه، ونحن أهل بيته وذريته في منازلنا نزل الوحي، ومن عندنا خرج العلم إليهم، أفيرون أنهم علموا واهتدوا وجهلنا نحن وضللنا، إن هذا لمحال). [الكافي،كتاب الحجة، باب أن مستقى العلم من بيت آل محمد، ح1]
  • روي عن سالم بن سعيد المخزومي أنه قال: (بينا أنا جالس عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه عباد بن كثيرعابد أهل البصرة وابن شريح فقيه أهل مكة وعند أبي عبد الله عليه السلام ميمون القداح مولى أبي جعفر عليه السلام، فسأله عباد بن كثير فقال: يا أبا عبد الله في كم ثوب كفن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: في ثلاثة أثواب: ثوبين صحاريين وثوب حبرة، وكان في البرد قلة، فكأنما أزور عباد بن كثير من ذلك، فقال أبو عبد الله عليه السلام: إن نخلة مريم عليها السلام إنما كانت عجوة ونزلت من السماء، فما نبت من أصلها كان عجوة وما كان من لقاط فهو لون، فلما خرجوا من عنده قال عباد بن كثير لابن شريح: والله ما أدري ما هذا المثل الذي ضربه لي أبو عبد الله، فقال ابن شريح: هذا الغلام يخبرك فإنه منهم – يعني ميمون – فسأله فقال ميمون: أما تعلم ما قال لك؟ قال: لا والله، قال: إنه ضرب لك مثل نفسه فأخبرك أنه ولد من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وعلم رسول الله عندهم، فما جاء من عندهم فهو صواب وما جاء من عند غيرهم فهو لقاط). [الكافي،كتاب الحجة، باب أنه ليس شيئ من الحق في يد الناس إلا ما خرج من عند الأئمة (عليهم السلام)، ح6]

بيَّن الصادق (عليه السلام) في الحديثين السابقين أن أهل البيت (عليهم السلام) هم مصدر كل علمٍ صحيح، وفي تشبيه الإمام (عليه السلام) لأهل البيت (عليهم السلام) بالنخلة دلالة على أنهم أصل العلم وأن غيرهم يلتقط من علمهم، فلا يستطيعون الاستغناء عنهم، فأهل البيت (عليهم السلام) كالنخلة المثمرة التي نأخذ منها العلم، وقوله (عليه السلام): (وما كان من لقاطٍ فهو لون) دلالة على أن العلم الذي يلتقطه من لم يتبع نهجهم وطريقهم مقارنة بعلم أهل البيت (عليهم السلام) رديء لأنه علم ناقص، فاللون هو أردى التمر.

ثانياً: التمسك بأهل البيت (عليهم السلام) عن طريق قراءة الروايات:

بعد أن بينا فضلهم وأهميتهم (عليهم السلام) نشرع في بيان كيفية التمسك بهم، لا سيما أننا في زمن الغيبة فليست لدينا القدرة على رؤيتهم وسؤالهم والارتواء من نبع علومهم الصافي، ومن الواضح الجلي أنه لا طريق لنا للتمسك بأهل البيت (عليهم السلام) في هذا الزمن سوى الرجوع لرواياتهم الشريفة، فقد ورد عنهم (عليهم السلام) حثٌّ شديد على الاجتماع وتدارس هذه الروايات، ونستشهد هنا بما ورد عن الصادق (عليه السلام) في الكافي، قال: (اتقوا الله، وكونوا إخوة بررة، متحابين في الله، متواصلين، متراحمين، تزاوروا، وتلاقوا، وتذاكروا أمرنا، وأحيوه)[الكافي، كتاب الإيمان و الكفر، باب التراحم و التعاطف، ح1]، جاء حثُّ الإمام (عليه السلام) على الاجتماع وتذاكر أمر أهل البيت (عليهم السلام) وإحيائه في هذا الحديث لما في ذلك من أهمية بالغة لعدة أسباب نكتفي بذكر أربعة منها:

  • قراءة الأحاديث تعطي تصورا ومعرفة خاصة عن شخصيات الأئمة (عليهم السلام) وهو أمر مطلوب بل مهم جدًّا، فلا يمكن التمسك بهم (عليهم السلام) دون أن تكون لدينا معرفة بهم.
  • تزيد من الرغبة في عمل المستحبات والنفرة من المكروهات، فعندما يُقال لشخصٍ بأن الطمع منهيٌ عنه شرعاً وهو صفةٌ يبغضها الله (عز وجل) لن يكون تأثيرها كتأثير قول الصادق (عليه السلام) في الخصال للشيخ الصدوق حين سئل عما يثبت الإيمان في العبد فقال (عليه السلام): (الذي يثبته فيه الورع، والذي يخربه الطمع) [الخصال، باب الواحد،ح29]، فحديث المعصوم أشد وقعاً على النفس من حديث باقي البشر لما فيه من بلاغة وقدرة على التأثير في النفس.
  • حديثهم (عليهم السلام) يحيي القلوب، فقد روي في الخصال عن الباقر (عليه السلام) أنه قال: (يا فضيل إن حديثنا يحيي القلوب) [الخصال، باب الواحد،ح76]
  • قراءة الحديث تساعد على بناء الشخصية الإيمانية، وهو أمر مطلوب ومهم لحماية المؤمن من الأفكار السامة التي تأتي من الغرب وغيرهم، فعندما يقرأ المؤمن كلام أهل البيت (عليهم السلام) باستمرار ويجعل الالتزام بما ورد عنهم محوراً أساسياً في حياته سيصعب على التيارات المنحرفة أن تضله عن الطريق.

نستنتج بناءً على ما ذكرناه أنه ينبغي للمؤمنين التجالس وتذاكر أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) باستمرار، فيمكن للأصحاب أن يجتمعوا، أو أن يجمع الرجل أبناءه وأسرته ولو مرة كل أسبوع، ويقرأون الأحاديث الشريفة في هذه الجلسة، وأشير هنا إلى بعض الكتب التي أنصح بقراءتها في هذه الجلسات، وهي: (الخصال – المحاسن – ثواب الأعمال – أصول وروضة الكافي)، فهذه الكتب تعتبر من أهم الكتب الحديثية عند الشيعة الإمامية، ولا يوجد فيها إلا النزر القليل من الروايات الفقهية التي هي من اختصاص الفقيه.

ثالثاً: أمور ينبغي الحذر منها عند قراءة الروايات:

  • استنباط الأحكام الشرعية من الروايات الشريفة مقام خاص للفقيه الجامع للشرائط، وليس لأحد القدرة على استنباط الأحكام الشرعية دون أن يكون لديه رصيد علمي في مختلف العلوم المستخدمة في الاستنباط، ومنها على سبيل المثال: (النحو – الصرف – أصول الفقه)، وما إلى ذلك من العلوم المختلفة التي يستخدمها الفقيه في فهم الرواية واستنباط الحكم الشرعي، فروايات أهل البيت (عليهم السلام) ليست جميعها سهلة الفهم، وقد وردت عبارة (إن حديثنا صعب مستصعب) في العديد من الروايات، منها ما روي عن الباقر (عليه السلام) في الكافي حين قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله:إن حديث آل محمد صعب مستصعب لا يؤمن به إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان، فما ورد عليكم من حديث آل محمد صلى الله عليه وآله فلانت له قلوبكم وعرفتموه فاقبلوه، وما اشمأزت منه قلوبكم وأنكرتموه فردوه إلى الله وإلى الرسول وإلى العالم من آل محمد وإنما الهالك أن يحدث أحدكم بشيء منه لا يحتمله، فيقول: والله ما كان هذا والله ما كان هذا، والإنكار هو الكفر) [الكافي، كتاب الحجة، باب فيما جاء أن حديثهم صعب مستصعب، ح1]، في هذا الحديث لا يكتفي الرسول (صلى الله عليه وآله) ببيان صعوبة فهم الكثير من الأحاديث النبوية فقط، بل يبين أيضاً ضرورة التسليم وهي النقطة التالية التي ينبغي مراعاتها عند قراءة الروايات.
  • التسليم للروايات أمرٌ في غاية الأهمية فلا ينبغي للرجل أن ينكر الحديث فقط بسبب غرابته، بل يجب التسليم لما ورد في الروايات الشريفة حتى لو كان من الغيبيات التي يستصعب الذهن قبولها، نذكر في هذا المقام بعض الروايات التي تحث وتؤكد على ضرورة التسليم.

روي في الكافي عن سدير أنه قال: (قلت لأبي جعفر عليه السلام: إني تركت مواليك مختلفين يتبرأ بعضهم من بعض، قال: فقال: وما أنت وذاك، إنما كلف الناس ثلاثة: معرفة الأئمة، والتسليم لهم فيما ورد عليهم، والرد إليهم فيما اختلفوا فيه)[الكافي،كتاب الحجة، باب التسليم و فضل المسلمين، ح1]، هذا الحديث الشريف من الأحاديث التي ينبغي إعطاؤها حقها من التأمل، فالحديث الشريف يبين واجبنا تجاه أهل البيت (عليهم السلام)، فينبغي لنا أولاً أن نعرفهم، ومعرفتهم (عليهم السلام) تأتي عن طريق قراءة الروايات الواردة عنهم (عليهم السلام) كما ذكرت في الأعلى، وبعد المعرفة يأتي دور التسليم لهم فيما ورد عنهم ورد ما اختلفنا فيه إليهم، والرد هنا بمعنى عدم العمل بالحديث لا تكذيبه، فقد روي عن الباقر (عليه السلام) في بصائر الدرجات أنه قال: (لا تكذبوا بحديث آتاكم أحد؛ فإنكم لا تدرون لعله من الحق فتكذبوا الله فوق عرشه)[بصائر الدرجات، ج10،باب فيمن لا يعرف الحديث فرده،ح5]. والتسليم لأهل البيت (عليهم السلام) لا يقتصر على عدم تكذيب الأحاديث بل يجب أيضاً الإقرار بأن جميع أفعالهم صحيحة ويجب الحذر من التشكيك فيها، فقد روي في الكافي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: (لو أن قوما عبدوا الله وحده لا شريك له وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وحجوا البيت وصاموا شهر رمضان ثم قالوا لشيء صنعه الله أو صنعه رسول الله صلى الله عليه وآله ألا صنع خلاف الذي صنع، أو وجدوا ذلك في قلوبهم لكانوا بذلك مشركين، ثم تلا هذه الآية { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا{ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: عليكم بالتسليم) [الكافي،كتاب الحجة، باب التسليم و فضل المسلمين، ح2]، أرجو من القارئ الكريم إمعان النظر والتأمل في هذا الحديث الشريف لما له من أهمية بالغة، فلا تنفع صلاة ولا صيام ولا زكاة في حالة عدم وجود حالة التسليم لدى المؤمن.

وفي الختام نحمد الله سبحانه و تعالى على توفيقنا لكتابة هذا المقال و نسأله أن يوفقنا للتمسك بأهل البيت (عليهم السلام) و أن يحمينا من كل فتنة وضلال.

 

 

الإسم:حسين شاكر حسين إبراهيم آل عباس

تاريخ:13/1/2024

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.