مِنْ حرق كِتاب الله رجوعًا إلى كربلاء.. واقِعٌ نفسيٌّ دنيءٌ مغلوب

بواسطة Admin
0 تعليق 299 مشاهدة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمَّد وآلِه الطيبين الطاهرين..

مِنْ حرق كِتاب الله رجوعًا إلى كربلاء.. واقِعٌ نفسيٌّ دنيءٌ مغلوب

قال الله جلَّ في عُلاه: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[1]، وقال عَزَّ مِنْ قائل: (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)[2]..

كثيرًا ما تَسَاءلتُ عن كربلاء وما جرى فيها على الإمام الحسين (عليه السَّلام) وأصحابه وأهل بيته بعد لحظة القتل، وكنتُ أقول: قتلتموه (صلوات الله وسلامه عليه)، فلِمَ هذه البشاعة بعد القتل؟ أولَمْ يكن قصدكم إعدام الوجود الدنيوي للإمام (عليه السَّلام)؟ وقد فعلتم ذلك، فلِمَ التنكيل؟ لِمَ السبي؟ لِمَ رفع الرؤوس على الرماح؟ لِمَ ولِمَ ولِمَ …؟!

قد نفهم التفاخر في ما لو كانت غلبتكم العسكريَّة على جيشٍ يُماشِي جيشكم عددًا وعتادًا، ولكن أينَ ما يُبرِّر تفاخركم العسكري في أنْ يتفوَّق آلافٌ في ميدان العَسْكَرِ على نَيفٍ وسبعين؟ أوليس هذا هو المتوقَّع؟ بل هو أمرٌ محسوم، ولذا بشَّرَ الإمامُ الحسين (عليه السَّلام) أصحابه بالجنَّة وأنَّ الذي بينهم وبينها سواد ليلة العاشر مِن المُحرَّم مِنَ العام الواحد والستين للهجرة..

هو الجوابُ واحِدٌ لا أجد له مِن شريك..

أرىَ أنَّ بُغْضهم لشخص الإمام (عليه السَّلام) راجِعٌ لبغضهم للحقِّ، والحقُّ ليس مِمَّا يُصابُ بِسَهمٍ أو بطعنة رُمح، ولا يجدون له رأسًا ليُقطع بسيفِ الخِسَّة والدَّناءة!

إنَّهم لا يُدرِكُونَ هذه الحقيقة فحسب، بل هم يعيشونها واقعًا يقينيًّا لا يداخله شكٌّ على الإطلاق..

كلَّما طعنوا الإمام (عليه السَّلام) وجدوا الحقَّ في صدورهم نارًا تجتاحهم.. وكلَّما حرقوا خيمةً وهتكوا سِترًا تحوَّل الحقُّ في أعماقهم بركانًا يُدمِّرُ وجدانهم، فلَم تَشْتَدُّ شَرَاسَةُ عسلان الفَلَوات في عروقهم إلَّا لأنَّهم يريدون قتلَ الحقِّ وإطفاء نور الله تعالى، والحال أنَّهم يريدون ذلك بقتل أئِّمَّة الحقِّ (عليهم السَّلام) ومظاهره، فكان مِن عَذَابِهِم تَوهُّج الحَقِّ واشْتِدَادِ إشعاع نُورِهِ مع كلِّ ظُلامَةٍ يَلْبَسُونَ وُزرَهَا وهُم يُطاردون أهلَ الحقِّ في كلِّ مكان..

يقول الإمام الصادق (عليه السَّلام) في حديثه عن أهل الباطل وبيان صفتهم مخاطبًا أصحابه مِن الشِّيعةِ: “فَإِنَّهُمْ سَيُؤْذُونَكُمْ وتَعْرِفُونَ فِي وُجُوهِهِمُ الْمُنْكَرَ، ولَوْ لَا أَنَّ اللَّه تَعَالَى يَدْفَعُهُمْ عَنْكُمْ لَسَطَوْا بِكُمْ، ومَا فِي صُدُورِهِمْ مِنَ الْعَدَاوَةِ والْبَغْضَاءِ أَكْثَرُ مِمَّا يُبْدُونَ لَكُمْ”[3].

بالرغم مِن قوَّة عتادهم وكثرة عددهم إلَّا أنَّ الإمامُ الحُسينُ (عليه السَّلام) أنهاهم وقضى عليهم بكلمة كانت ممَّا حَسمَ القضيَّة لِمُعَسكَر الحقِّ، وبِها قَطَعَ (عليه السَّلام) كلَّ الطُرق على قتلته (لعنهم الله) لإحراز أدنى نصرٍ توهَّمُوه؛ خاطبهم (عليه السَّلام) فقال: “إنْ لمْ يَكُنْ لكُم دِينٌ وكُنْتُم لا تَخَافُونَ المَعَادَ، فَكُونُوا أحرَارًا في دُنيَاكُم”[4]، ولكنَّ شقوتهم أبَتْ إلَّا أن تُركِسَهم في دناءة عبوديتهم لِخِسَّة نفوسهم..

كأنَّه يقول (عليه السَّلام): إنْ ارتكبتم جريمتكم فلن تكونوا غير عبيدٍ أخسَّة مهما أقبلت عليكم الدنيا وأعارتكم مِن هَيلِها وهَيلَمَانِها، فأنتم رهن كلمةٍ أقولها.

وفي الشَّام جذَّرَت مُخدَّرَةُ الهَاشميين (عليها السَّلام) لِكَلِمَةِ إمَامِهَا (عليه السَّلام) بِخِطَابٍ مِن جِنْسِهَا، فقالتْ بلسان اليقين: “ثُمَّ كِدْ كَيدَكَ واجهَدْ جُهْدَكَ، فَوَ اللهِ الذي شَرَّفَنَا بالوَحي والكِتَابِ، والنُّبُوَّةِ والانْتِجَابِ لا تُدْرِكُ أمَدَنَا، ولا تَبْلُغُ غَايَتَنَا، ولا تَمْحُو ذِكْرَنَا، ولا يَرْحضُ عَنْكَ عَارَنَا. وهل رأيُكَ إلَّا فَنَدٌ، وأيَّامُكَ إلَّا عَدَدٌ، وجَمْعُكَ إلَّا بَدَدٌ يَومَ يُنَادِي المُنَادِي ألا لَعَنَ اللهُ الظالِمَ العَادي. والحَمدُ لله الذي حَكَمَ لأولِيَائِهِ بالسَّعَادَةِ، وَخَتَمَ لأصفِيَائِهِ ببُلُوغِ الإرَادَةِ. نَقَلَهُم إلى الرَّحْمَةِ والرَّأفَةِ، والرضوَانِ والمَغْفِرَةِ، ولَمْ يَشْقَ بِهم غَيرُكَ، ولا ابْتَلَى بِهم سوَاكَ. وَنَسْألُهُ أنْ يُكمِلَ لهُمُ الأجْرَ ويُجْزِلَ لَهُمُ الثَّوَابَ والذخرَ. وَنَسألُهُ حُسْنَ الخِلَافَةِ وجَميلَ الإنَابَةِ، إنَّه رَحيمٌ وَدُود”[5].

وثمَّة أمرٌ آخر..

لَم يكن قتلة الإمام الحسين (عليه السَّلام) ليجرؤوا على فعلتهم النكراء لو أنَّهم لم يكونوا بحسب موازين هذه الدنيا في موقع القوَّة وشيعة أبي عبد الله (عليه السَّلام) في موقع الضعف، فيكون لجريمتهم والحال هذه أثرُ الكسر في نفوس الشِّيعة، وهو أمر في غاية الخطورة عندما يشعر الإنسان بأنَّه مُنْتَهَكٌ ولا حِيلَة لديه لردِّ شيءٍ مِمَّا يُتَعدَّى بِه عليه، ولذلك نرى الأوامر مِن أئمة الهدى وقد تظافرت بأن يحذر المؤمنون تعريضَ أنفسهم لِما يجعلهم كالأفْرَاخِ وقَد طَارَتْ مِنْ أوْكَرِها قَبْلَ أَنْ تَسْتَويَ أجنِحَتُها فَأَخَذَها الصِّبْيَانُ فَعَبِثُوا بِها!

نتساءلُ اليوم..

إذا كنتَ أيُّها الضالُّ الفاسِدُ تريد حرق كتاب الله جلَّ فِي عُلاه، فلِمَ تُعلِنُ عن فعلتك وتحولها إلى مظهرٍ إعلاميٍّ عالميٍّ؟ ولِمَ يتعاقبُ بعدك أولادُ ضلالك وفسادك مِن شياطين الجنِّ والإنسِ ليُعلِنوا عن أفعالٍ ينونها للإساءة للقرآن الكريم؟

الجواب هو الجواب..

ضَعْفٌ عَميقٌ وانهِزَامٌ قد نال مِن وجدانهم حتَّى ضَمَرَتْ عُقُولُهُم وتَاهَتْ عُيونُهُم في أمَّهات رُؤوسِهِم، وَلَمْ يَجِدُوا غير حَرق كتاب الله تبارك ذكره واعتلائه بأقدامهم طريقًا يقودهم فيه غِلٌّ يملأ صدورهم على حقٍّ قد استيقنته نفوسُهم الدنيئة (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ)[6]، وقد فَعَلوا مَا فَعَلَ أسْلافُهم بجسد الحسين (عليه السَّلام) فكانت جريمتهم هي هي حبلُ الذلَّة يُجرجرهم أيَّام هذه الدنيا حتَّى يأذن الله تعالى لوليِّه (عليه السَّلام) بالظهور والانتقام..

ثُمَّ أنَّهم يريدون استفزاز المسلمين، وقد علموا بأنَّ القوانين صنيعة أياديهم، ومِن السذاجة بمكان أن يُقارِنَ بعضُ المسلمين موقِف الغرب مِن حرق القرآن الكريم بغيره مِن أفْعَالٍ يمنعونها كحرق شعارات العُهر والتحلُّل القِيَمي والأخلاقي، فهم يرون ذاك حريَّةً، ويحكمون بأنَّ هذا نقضًا للحريَّة! ولهم ذلك ما داموا هم الذين يضعون القِيَم ويُعَولِمُونَهَا وِفقًا لرؤاهم و(استراتيجياتهم).

وثالِثُ مقاصِد الشيطان..

يُضِلُّ الإنسانُ نفسَه عندما يتوهم اطلاعه على مقاصد الله تعالى وانكشاف حكمته عزَّ وجلَّ له، ومِنَ المؤمنين مَنْ ينخرط، يا للأسف، في طريق الزيغ هذا..

ومِنْ ذلك قَطعه بأنَّ الله تعالى ينتصر للمؤمنين ويدفع عنهم بالطريقة التي يراها ويُحدِّدُ معالمها هو وكأنَّه قد اعتلى عرش الله جلَّ في عُلاه ولبس رداء حُكمِه تبارك ذكره!

قال قائلهم لعقيلة الطالبيين (عليها السَّلام): “الحَمْدُ لله الذي فَضَحَكُم وقَتَلَكُم وأكْذَبَ أحَاديثَكُم!

فقالت (عليها السَّلام): الحَمْدُ لله الذي أكْرَمَنَا بِمُحَمَّدٍ وَطَهَّرَنَا تَطهيرًا، إنَّما يَفْضَحُ اللهُ الفَاسِقَ ويُكَذِّبُ الفَاجِرَ.

قال: كيفَ رأيتِ صُنْعَ اللهِ بِكُم أهْلَ البيتِ؟

قالت (عليها السَّلام): كُتِبَ عليهمُ القَتْلَ فَبَرَزُوا إلى مَضَاجِعِهِم، وَسَيَجْمَعُ اللهُ بَينَكَ وبيَنْهُم فَتَتَحَاكَمُونَ عِنْدَهُ”[7].

نلاحظ في خطاب أهل البيت (عليهم السَّلام) نوعٌ بليغ مِن إحداث زلزال مِن التقريع النفسي الداخلي في عمق وجدان أهل الباطل والفساد، ومِن أبرز مفاتيحه إبطال مبانيهم وتفويت فُرص الظفرِ بشيءٍ عليهم، وفي اعتقادي أنَّ هذا مِن أهمِّ ما محى ذكرهم ونأى بالحقِّ عن أيِّ مُزَاحِمٍ مِنَ الباطل الذي يجهد لتقمُّص الحقِّ والعدل..

أراها هكذا..

يريقون دَمًا بسيف.. يسحقون جسدًا تحت سنابك الخيل.. يحرقون خِيَمًا.. يسبون نساءً وأطفالًا..

وبِكَلِمَةٍ واحِدةٍ يتحول كلُّ ذلِك إلى مَعالِمَ للحقِّ الحقيق، وتبقى أفعالُ المجرمين نموذج سوءٍ لِكُلِّ قَزَمٍ يتوهمُّ نفسه عملاقًا ويُكرِّرُ مقولةَ جدِّه الأكبر (أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى)[8].

ألم يقتلوا الإمام الحُسين وفعلوا به وبأهل بيته (عليهم السَّلام) ما فعلوا؟ ما هي النتيجة؟

الجواب:

عن زيد الشحَّام، قال: “قُلتُ لأبي عبد الله (عليه السَّلام): مَا لِمَن زَارَ قَبْرَ الحُسَينِ (عليه السَّلام)؟

قال (عليه السَّلام): كَانَ كَمَنْ زَارَ اللهَ في عَرْشِهِ.

قال: قلتُ: مَا لِمَنْ زَارَ أحَدًا مِنْكُم؟

قال (عليه السَّلام): كَمَنْ زَارَ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ)”[9].

هذا نصرٌ.. بقاءُ الدين نصرٌ.. الاستقامة على شريعة الله تعالى نصرٌ.. (وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ)[10]

أمَّا ما يتوهمُه المُجرِمُونَ نصرًا لهم ويعيرون المؤمنين بأنْ لا ناصر لكم وأنَّ الله تعالى لا يدفع عنكم، فهذا شَنَارُه في الدنيا وأوزاره في الآخرة..

إنَّما المُشكِلَةُ هنا..

كتَبَ لي بعضُ الأحبَّة يوم أمس (الخميس 10 من ذي الحجَّة 1444 للهجرة): كيف ترى وتقرأ التسويق السفيه والمقزِّز للكفر الصريح بقوانين الله تعالى وسُنَنه لا سيَّما في مثل الدعوة لإلغاء التمايز بين الزوجين الذكر والأنثى والترويج للفساد في أقبح صوره؟

قُلتُ:

لا أرى ذلك غاية لشياطين الجنِّ والإنس، ولكنَّني أجدها مقدِّمة لكلِّ فسادٍ وبَاطِلٍ يريدونه؛ فإذا مُحِقَت القِيَم ورُفِعَت من واقع الناس موازينها سقطت شَعَرَةُ الحياء، وحينها لا غرابة على الإطلاق في أيِّ فِكرَة تطرحها بهيمةٌ أو تدعو وتروج لها أُخرى (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلا * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا)[11].

وأقول آسِفًا بأنَّهم قد نالوا مِن مجتمعاتنا ما نالوا؛ ألا ترى الانتشار الجهنمي لثقافة وسلوك التطبيع مَع الغلط وما كان مُتَسَالَمًا قبل ثلاثة عقود على كونه باطِلًا وفسادًا؟ والتطبيع هو أن ترى الشيء طبيعيًّا، حتَّى لو كُنتَ لا تدعو إليه ولا ترتكبه.. يعني كما درج على الأسن في هذا الزمن: عادي!

ولكم في ذلك الكثير من الآيات والأمارات، وعنوانها (عادي)!

ومِن رحِمِ هذا التطبيع يُعلِنُ كثيرون انزعاجهم مِن أفعال المجرمين كما يحدث مع جريمة (حرق كتاب الله تعالى) ولسانُ حالِ ضميره يقول: لا بُدَّ لي مِن اتخاذ موقف والتعليق ولو بكلمة..

ثُمَّ تنتقلُ جَريمَةُ حَرقِ الكِتَابِ العَزيزِ مِنْ بَلَدٍ إلى آخر، ومعها تتكرَّر ردود الأفعال.. ويستمرُّ التطبيع!

أمَّا الأئمَّةُ الطاهرون (عليهم السَّلام) فكانوا كلَّما أوغلَ المجرمُونَ في إجرامهم وظلمهم وطغيانهم، ذهبوا هم (عليهم السَّلام) في أعماق جديدة مِن التدين والالتزام بشريعة الله تعالى والابتعاد بشيعتهم عن كلِّ ما لا يُحبِّذه الشارع المقدَّس فضلًا عمَّا يصرِّح بكراهته أو حرمته، بل والابتعاد بهم عن أيِّ وارِد لا يوافق الثقلين؛ فعَنْ زَيْدٍ الشَّحَّامِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السَّلام) فِي قَوْلِ اللَّه عَزَّ وجَلَّ: (فَلْيَنْظُرِ الإِنْسانُ إِلى طَعامِه)، قَالَ: قُلْتُ: مَا طَعَامُه؟

قَالَ (عليه السَّلام): عِلْمُه الَّذِي يَأْخُذُه عَمَّنْ يَأْخُذُه”[12]. وهذا هو الردُّ الذي له واقِعٌ وأثرٌ في نفوس المؤمنين..

ولكنَّنا اليوم أُسارى، بكلِّ ما تحمل الكلمة مِن معنى، عند كلِّ مَن يُسِيءُ لِدِينِنا، وقد قال امير المؤمنين (عليه السَّلام): “امْنُنْ على مَنْ شِئْتَ تَكُنْ أمِيرَهُ، وَاحْتَجْ إلى مَنْ شِئْتَ تَكُنْ أسِيرَهُ، واسْتَغْنِ عَمَّنْ شِئْتَ تَكُنْ نَظِيرَهُ”[13].

هي مقالتي أختمها بما رواه شيخُنا ثقة الإسلام (نوَّر الله مرقده الشريف) عن عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَى الْخَشَّابِ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ مُوسَى، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (عليه السَّلام) يَقُولُ:

“إِنَّ لِلْغُلَامِ غَيْبَةً قَبْلَ أَنْ يَقُومَ.

قَالَ: قُلْتُ: ولِمَ؟

قَالَ (عليه السَّلام): يَخَافُ. وأَوْمَأَ بِيَدِه إِلَى بَطْنِه. ثُمَّ قَالَ:

يَا زُرَارَةُ، وهُوَ الْمُنْتَظَرُ، وهُوَ الَّذِي يُشَكُّ فِي وِلَادَتِه! مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَاتَ أَبُوه بِلَا خَلَفٍ، ومِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ حَمْلٌ، ومِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إِنَّه وُلِدَ قَبْلَ مَوْتِ أَبِيه بِسَنَتَيْنِ وهُوَ الْمُنْتَظَرُ، غَيْرَ أَنَّ اللَّه عَزَّ وجَلَّ يُحِبُّ أَنْ يَمْتَحِنَ الشِّيعَةَ. فَعِنْدَ ذَلِكَ يَرْتَابُ الْمُبْطِلُونَ يَا زُرَارَةُ..

قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ الزَّمَانَ أَيَّ شَيْءٍ أَعْمَلُ؟

قَالَ (عليه السَّلام): يَا زُرَارَةُ، إِذَا أَدْرَكْتَ هَذَا الزَّمَانَ فَادْعُ بِهَذَا الدُّعَاءِ:

اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي نَفْسَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِفْ نَبِيَّكَ اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي رَسُولَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي رَسُولَكَ لَمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي[14][15].

 

السَّيد محمَّد بن السَّيد علي العلوي

11 مِن ذي الحجَّة 1444 للهجرة

البحرين المحروسة

…………………………………………..

[1] – الآية 9 من سورة الحجر

[2] – الآية 32 من سورة التوبة

[3] – الكافي – الشيخ الكليني – ج 8 – ص 3

[4] – العوالم، الإمام الحسين (عليه السَّلام) – الشيخ عبد الله البحراني – ص 293

[5] – العوالم، الإمام الحسين (عليه السَّلام) – الشيخ عبد الله البحراني – ص 405 – 406

[6] – الآية 14 من سورة النمل

[7] – الأمالي – الشيخ الصدوق – ص 229

[8] – الآية 24 مِن سورة النازعات

[9] – كامل الزيارات – جعفر بن محمد بن قولويه – ص 278

[10] – الآية 126 مِن سورة آل عمران

[11] – الآيتان 43 – 44 من سورة الفرقان

[12] – الكافي – الشيخ الكليني – ج 1 – ص 49 – 50

[13] – الخصال – الشيخ الصدوق – ص 420

[14] – تتمَّة كلام الإمام (عليه السَّلام) لزرارة: “يَا زُرَارَةُ، لَا بُدَّ مِنْ قَتْلِ غُلَامٍ بِالْمَدِينَةِ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ ألَيْسَ يَقْتُلُه جَيْشُ السُّفْيَانِيِّ قَالَ لَا ولَكِنْ يَقْتُلُه جَيْشُ آلِ بَنِي فُلَانٍ يَجِيءُ حَتَّى يَدْخُلَ الْمَدِينَةَ فَيَأْخُذُ الْغُلَامَ فَيَقْتُلُه فَإِذَا قَتَلَه بَغْياً وعُدْوَاناً وظُلْماً لَا يُمْهَلُونَ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَوَقُّعُ الْفَرَجِ إِنْ شَاءَ اللَّه”

[15] – الكافي – الشيخ الكليني – ج 1 – ص 337

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.