التعرُّض لنصرة الله تعالى ll بقلم سماحة الشيخ حسين بن يوسف طارش

بواسطة Admin
0 تعليق
{وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ}
في الآية الكريمة يُؤكد الله تعالى كلامه بنصر من ينصره بأداتين للتوكيد، الأولى (لام) التأكيد، والثانية (نون) التأكيد، وإنْ كان كلامه تعالى لا يحتاج إلى التأكيد، إلا أنّ في تأكيده هنا مزيد عناية بهذا الأمر، بما يبعث في نفس المخاطب على فرض تردده الطمأنينة والاستقرار بتحقق نصر الله تعالى.
وقد كرر الله عزّ وجلّ وعده بنصرِ من ينصره في أكثر من مورد في كتابه الكريم، ومنها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}، وهذا التكرار هو كذلك تأكيدٌ منه تعالى على حتمية النصر من قِبله.
ثمَّ إنّ صور نصر الله تعالى لأنصاره تتعدد وتختلف بما تقتضيه المصلحة، فهي قد تكون في هذه الدنيا كالغلبة على أعداء الإسلام، وقد تكون في الآخرة كأخذ حق المؤمن من الكافر، غير أنها لابد من وقوعها، وهنا لابد من الإشارة إلى أن تحقق النصر الإلهي يقتضيه تحقق شروطه، فينافيه مثلًا الذهاب للجهاد مع تبطن نية الرياء فيه !، وكذا الحال بالنسبة لاستجابة الدعاء، فتحصيل شروط استجابة الدعاء الواردة في روايات أهل البيت (عليهم السلام) مقتضٍ للاستجابة، سواء في الدنيا أو الآخرة.
والكلام هنا في ذكر بعض المصاديق التي ينصر بها المؤمنُ اللهَ تعالى، وقد يكون أوضحها مافي سياق الآية وهو الجهاد مع وليِّ الله عزَّ وجلَّ في أرضه، وأما غيرها من المصاديق فمنها:
المصداق الأول: نصرة أولياء الله تعالى
إن طاعة أولياء الله هي طاعة الله سبحانه، ومخالفة أوليائه هي مخالفة الله عزّ وجلّ، يقول تعالى :{مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}، ولا ريب في فرض طاعتهم من قبل الله تعالى.
وتتمثل صور نصرتهم بعدة أمور منها: الإيمان بهم والتسليم لأمرهم قلبًا وعملًا وهو وقوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، ومن هذه الصور تعلم علومهم وتعليمها، بل إن تعلم علوم أهل البيت (عليهم السلام) هو سبيل الطاعة كما في رواية هشام بن الحكم عن أبي الحسن موسى بن جعفر (ع) في وصِيَّته له قال: (لا نجاة إلا بالطاعة والطاعة بالعلم، والعلم بالتعلم والتعلم بالعقل يعتقد، ولا علم إلا من عالم رَبَّانِيٍّ) والعلماء الربانيين هم أهل البيت (عليهم السلام) بلا ريب.
المصداق الثاني: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، خلقان من خلق الله، فمن نصرهما أعزه الله، ومن خذلهما خذله الله). إن مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من المسائل المهمة في الشريعة المباركة لما تحفظه من صلاح حال المجتمع الإسلامي، فمتى التزمنا بهما ما كان فاعل المنكر يجرؤ أن يجاهر به، وما كان لأحد أن يترك معروفًا واجبًا أمام الملأ، وبهذا فإذا حفظنا حدود دين الله، نكون قد نصرنا الله تعالى.
ولو تركنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، نكون قد خذلنا دين الله، بل وأتيح المجال لباقي الناس أن يأتوا بالمنكر لعدم وجود الرادع، ونتيجة هذا أن يخذلنا الله كما في الرواية المتقدمة، روى الصدوق في عقاب الأعمال عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إن المصيبة إذا عمل بها العبد سرًا لم تضر إلا عاملها، وإذا عمل بها علانية ولم يُعيَّر عليه أضرت العامة. قال جعفر بن محمد (عليهما السلام): وذلك أنه يذل بعمله دين الله ويقتدي به أهل عداوة).
ثمَّ إن عدم القدرة على تغيير المنكر لا يبرر الرضا به وجعله مقبولًا في النفس وبين الأظهر، فإن الإنكار بالقلب هو أدنى مراتب النهي عن المنكر، بل إن الراضي بشيءٍ داخلٌ فيه، وإن لم يفعله، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (إنَّما يجمع الناس الرضا والسخط، فمن رضي أمرًا فقد دخل فيه، ومن سخطه فقد خرج منه).
المصداق الثالث: الطاعة لله
وهي الجامعة لجميع الخير، ولا ينال ما عند الله من الخير ومن ضمنه نصرُ الله لعباده إلا بالطاعة، وهي وقرة عين المؤمن وفرحته، يقول أمامنا الصادق (عليه السلام) في ضمن الرسالة التي كتبها لأصحابه: (فأعطوا اللهَ من أنفسكم الاجتهاد في طاعته، فإنَّ الله لا يدرك شيء من الخير عنده إلا بطاعته، واجتناب محارمه التي حرّم الله في ظاهر القرآن وباطنه فإنَّ الله تبارك وتعالى قال في كتابه وقوله الحق: ” وذروا ظاهر الاثم وباطنه)
فإذن نصر الله والذي هو من الخير لا يتأتَّى إلا بطاعة الله تعالى، ولم يصب من زعم أنه ناصرٌ لله سبحانه محبٌ له وهو يعصيه فيما أمر به ونهاه عنه، فإن صدق المحبة وإن كان من الأمور القلبية، إلا إنها تقتضي كون أثرها العملي مطابقًا لإرادة المحبوب، ولذلك روى الشيخ الصدوق بإسناده عن ابن أبي عمير عن من سمع أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: (ما أحب اللهَ عز وجل من عصاه، ثم تمثل فقال:
تَعْصِي الإِله وَأنْتَ تُظْهِرُ حُبَّهُ * * هذا محالٌ في الفعال بديعُ
لَوْ كانَ حُبُّكَ صَادِقاً لأَطَعْتَهُ * * إنَّ الْمُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطِيعُ)
نسأل الله تعالى أن نكون من المخلصين في نصرته، حتى يبلغنا وعده سبحانه بنصر المؤمنين الحتمي تحت راية مولانا صاحب العصر والزمان (عجل الله فرجه) وهو قوله عزَّ وجلَّ:{وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}.
حسين يوسف طارش
٢٣ شوال ١٤٤١ للهجرة المباركة

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.