كلمةٌ.. مِنْ صَلاة الرَغَائِبِ

بواسطة Admin
0 تعليق

لم يكُنِ البَحرانيُّ، يومًا، مصدرَ راحةٍ لإبليس الرجيم وزمرته من شياطين الجنِّ والإنس؛ وكيف يرتاح عدوُّ اللهِ من مُؤمِنٍ خاط العلومَ والمعارِف والوعيَ لِبَاسَ حضارةٍ على هذه الأرض الطيبةِ منذ القِدَمِ، ومن آثار اعتجان أهل البحرين بماء الإيمان وروح التقوى والورع، ما رواه الشيخ علي بن الشيخ حسن البلادي (علا برهانه)، قال:

“حدَّثني بعضُ الصالحين الثقاة من أهل البحرين عن سلفِهم الأقدمين: إنَّه كان في الزمن القديم في البحرين أنَّ الرجل من أهل السوق والتجارة يكون عنده العبد المملوك فيراه ليلةً من الليالي ربَّما غفل عن صلاة الليل لنومٍ أو غفلة، فيُصبِح (التاجر) ويأمر الدلَّال أن يبيعه!

فيقول له جيرانه من أهل السوق: لِمَ تبيع مولاك ولِمَ ترَ منه إلَّا الصلاح والطاعة؟

فيقول لهم مولاه: إنَّه البارحة لم يصلِّ صلاة الليل، وأخاف أن تكون له عادة، فربَّما يقتدي بهِ بعضُ العيال فلا يصلي صلاة الليل!

فإذا سمعوا ذلك منه صار عندهم عيبًا، فيأمرون بإخراجه من البحرين وبيعه في غيرها من البلدان”[1].

وقد قيل: “إذا فقدتم العلمَ فاطلبوه في البحرين”[2].

وجاء في مجالس المؤمنين: “وتَشَيُّعُ أهل البحرين وقصباتها مثل القطيف والإحساء من قديم الأيَّام إلى هذه الأيَّام ظاهرٌ شائِعٌ؛ ومنشأ ذلك شمول اللطف الإلهي لأهل تلك الديار”[3].

يكشفُ تواترُ مثل هذه الأخبار عن واقعِ الرُقي العلمي والإيماني في المجتمع البحراني ثقافةً وفِكرًا، أخلاقًا وسلوكًا. لذلك، ما فتأت الشياطين تتربص بهذه الأرض الدوائر، فلم يتركها خوارِجٌ ولا برتغالٌ ولا وهابيون، ولا غيرهم، إلَّا وتكالبوا عليها مخرِّبين مُفسدين، مثيرين للفتن والنزاعات، فَكَثُرَتْ على مَرِّ الزَمَانِ طعناتُ الأعدَاءِ وضربهم في نبض بحريننا يمينًا وشمالًا، يَجْرُونَ خلف أمانيهم أن يحيلوا البحراني ذِكرى، بل نسيًا منسيًا، ولكن.. هيهات هيهات؛ وقد قام ابنُ بطنِها مصداقَ حقٍّ للصلاح والخير على نهج ولاية أهل البيت (عليهم السلام). فالحمد لله ربِّ العالمين.

إنَّما أوردتُ هذه المقدَّمة وغرضي الإشارة إلى أنَّ الكثيرَ مِمَّا يصيبنا من فِتنٍ ونزاعات ليس إلَّا لكونِنا مجتمعًا مؤمِنًا عصيًّا على مخطَّطات الانحراف والضلال، ولذلك يرانا الموضوعيون المُنصِفون نداءَ الله أكبرٍ في ميادين الوعي والعلم والفِكر، ما إن تزدحم على صدورنا شوامِرُ فنبدو في خفوت، إلَّا ونعود بردًا من الخير ينضح من أعماقنا دون طلب.

نحتاج إلى الوقوف على مثل هذه الحقائق الحقَّة؛ فإنَّ من عمل الشياطين إفقادنا الثقة في تاريخنا.. في واقعنا.. في أنفسنا، ولا طريق لإبطال هذه المحاولات الخبيثة إلَّا بإعادة الاعتبار في أنفسنا لأنفسنا، وما ذلك بعزيز..

أضرب مثالًا ما اعتدنا عليه في كلِّ سنةٍ، وهو إثارة مسألة (صلاة الرغائب) من حيث ثبوتها وعدم ثبوتها، ومن حيث دخولها أو عدم دخولها تحت التسامح في أدلة السنن!

لو أنَّ البحراني من أولئك الفاقدين للثقل الفكري والوزن المعرفي، لملَّ الدينَ؛ لكثرة ما يتعرَّض إليه من تجاذبات وبينيات مزَّقت مجتمعات عريضة وحولتها وجودات مشوهة تائهة، ترتمي ساعة في احضان التصوف، وأخرى في علمنة الإسلام.. وغير ذلك ممَّا نحن عنه في أمان.

إنَّه لا شكَّ في مطلوبية البحوث والتحقيقات والتدقيقات العلمية الدينية، إلَّا أنَّ هذا بين العُلمَاءِ وأهلِ الشَأن. أمَّا عامَّة الناس فلا يطلب الواحِدُ منهم أكثر من الفتوى الشرعية للفقيه الذي يرجع إليه في تقليده، وإن ذهب لقراءة البحوث، فهذا راجع إليه، ولا تأثير له على وظيفته الشرعية التي يرجع فيها إلى الفقيه المجتهد الجامع للشرائط.

يرى هذا المُؤمِنُ فتوى المرجع الذي يقلده، تقول: “لا بأس بإتيان هذه الصلاة برجاء المطلوبية”، ثُمَّ إنَّه يتلقَّى الكثير من الأقوال في بدعية هذه الصلاة ومُنْكَرِيتِها!! هل يبقى على ثقته في مرجع تقليده؟ أو أنَّه يطعن في أقوال الفضلاء؟

لا يتحير البحرانيُّ في مثل هذه الموارد، فهو بالرغم ممَّا يعيشه من ألم التخالفات، إلَّا أنَّه سرعان ما يرجع إلى ثباته، ولا يأخذ بغير ما يقوله الفقيه، ولا يدفعه هذا للتقليل من تحقيقات العلماء وفضلاء الدرس الحوزوي.

نستفيد معرِفةً مهمَّةً من هذا الوعي البحراني الناضج، وهي ضرورة التركيز على توضيح الفرق بين ما يثبت عند الباحث الفاضل، وبين ما يُفتي به الفقيه المجتهد؛ أمَّا الأوَّل فعمله مع المادَّة العلمية مجرَّدة عن كلِّ ما سواها، فينتهي مثلًا إلى ضعف هذا الحديث أو عدم نهوض ذاك الدليل، وعلى وفق ذلك يسجِّل نتيجة بحثه.

أمَّا مرجع التقليد فيأخذ في اعتباراته أحوال الناس ومدى تأثير الفتوى في واقع التزامهم الديني، وما نحو ذلك من ظروف موضوعية يُعَارِضُ بها نتيجة البحث، فيُعْمِل قواعد النظر طالبًا الانتهاء إلى ما يقيم الإيمان في النفوس، والناس على الهدى، وهذا من سيرة أهل بيت العصمة وأئمة الهدى (عليهم السلام). ولذلك نجد بعض مراجع التقليد يعرضون عن الإفتاء في مسألة معينة، وما ذاك إلَّا لرجحان السكوت، كما ونجد آخرين يبقون الحال على ما هو عليه، بالرغم من وصولهم إلى نتيجة مخالفة؛ والسرُّ في ذلك مرجوحية طرح ما يحتمل فيه نقض الغرض..

إنَّنا في حاجة ماسَّة إلى تحقيقات وتدقيقات فضلاء الحوزة المُشرَّفة، ولتمام الفائدة رجونا أن تُلَاحظ ببيان كونها بحوثًا وتدقيقات قد يستفيد منها الفقيه في فتواه، وأمَّا عامَّة المؤمنين فيرجعون إلى مراجع تقليدهم.

كلمة..

ربَّما لاحظنا تحول صلاة الرغائب إلى مادَّة للمناكفات الحزبية، فهذا الحزب يجعلها من أجلِّ المستحبات، لا لشيءٍ إلَّا لتحدِّي الحِزب الآخر الذي يرى عدم صحتها.. وهذا الأخير يجد في إرجاع الضربة للأول!! بالرغم من وجود مثل هذه الحالات، غير أنَّها قليلة، نسأل الله تعالى السلامة منها.

أعتقد، وقد تعتقد مثلي، أنَّ مثل هذه المناكفات عيب.

 

السيد محمَّد بن السيد علي العلوي

غرَّة رجب 1440 للهجرة

البحرين المحروسة  

……………………………………………….

[1] – أنوار البدرين في تراجم علماء القطيف والإحساء والبحرين -الشيخ علي بن الشيخ حسن البلادي- ص50

[2] – كما في تاريخ البحرين، المُسمَّى بـ: الذخائِر في جغرافيا البنادر والجزائر، تأليف: الشيخ محمَّد علي بن الشيخ محمَّد تقي آل عصفور البحراني، ص65، وقد أرجع منسوبًا إلى رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) إلى الشيخ ياسين البلادي (طاب رمسُه) بحسب استظهار الأستاذ وسام عبَّاس السبع

[3] – عن المصدر السابق ص82: مجالس المؤمنين -نور الله المرعشي التستري، ج1، ص154 – 155

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.