الإنسانُ الفردُ في تكوينِه الشَخصِي الأوَّلِ في هذه الحياة الدنيا صَنِيعَةُ غَيرِهِ؛ باكتسابه المُوَرِّثات (Gene) مِمَّن يتَّصِل بهم اتِّصالًا مُوَرِّثيًا، ومن بعد ذلك يبدأ باكتساب أخلاقياته بشكل عام من البيئة الطبيعية؛ من أرض، وزرع وماء وهواء، وما يطال الطبيعة من عبث البشر.. وما نحو ذلك، ومن المحيطين به، ثُمَّ أنَّه يتأثَّرُ بمختلف الظروف المحيطة؛ سياسيةً واقتصاديةً واجتماعيةً.. وكلِّ ما يُؤثِّر في ثقافته ونفسيته وأسلوب تفكيره.
في ظلِّ هذه العوامل المفروضة، هناك من يستسلم فيتكرَّرُ بمظاهر مختلفة في إطار الطابع الثقافي العام، لا يخرج عنه، وهناك من يتعرَّف على ما ينبغي أن يكون عليه الإنسانُ مجتمعًا وفردًا، ويعمل على مقاومة السيول التثاقفية ومعالجتها ردًّا وقبولًا وتصحيحًا بحسب ما تعلَّمه، كمثل لو أنَّه ورِثَ أو اكتسب العصبية، ووقف على قول الإمام الصادق (عليه السلام): “المؤمِنُ حَليمٌ لا يَجْهَل، وإنْ جُهِلَ عليه يَحْلُم، ولا يظلم، وإنْ ظُلِمَ غَفَرَ، ولا يَبْخَل، وإنْ بُخِلَ عليه صَبَرَ”[1]، أو لو كان قد نشأ في بيئة تستسهل الغِيبَةَ، ثُمَّ منَّ الله تعالى عليه بحديث رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): “الغِيبَةُ إدامُ كِلابِ النار. مَنْ نَظَرَ في عَيبِ نَفْسِهِ اشْتَغَلَ عن عيب غيره، ومن نَظَرَ في عيُوبِ النَاسِ فأنْكَرَها، ثُمَّ رضيها لِنَفسِهِ فَذَاكَ الأحمقُ بعينِهِ”[2].
يدخلُ الإنسانُ مواجهةَ تزكية النفس منذ لحظة إدراكه لما ينبغي أن يكون، فيتحمل مسؤولية نفسه تجاه الله تعالى الذي قال في كتابه العزيز (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا)[3]، وقال جلَّ في علاه (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ)[4]، وقد لا يفتقر إلى توضيح أنَّ نَفسَ الإنسان يعيش وجوه سلوكه في مختلف مواطن وجوده، ومن تلك المواطن.. الزواج.
ما يحصل هو أنَّ كلًّا من الرجل والمرأة ينتقلان بما هما عليه في علاقاتهما الاجتماعية العامَّة إلى علاقة اجتماعية غاية في الخصوصية، هي الزواج، وفي الغالب -كما أرى- يكون الإقبال منهما مشحون حدَّ المبالغة بتطلعاتٍ لحياةٍ جميلةٍ ملؤها السعادة، حتَّى في ظروف المشاكل فإنَّهما يحلمان بعلاقة زوجية يتمكنون بمدى قوَّتها واستقرارها من تجاوزها (ظروف المشاكل) بأريحية وسعادة..!
قد تبدأ حياتُهما الزوجية على وفق تطلعاتهما، إلَّا أنَّها سرعان ما تتغير، وتبدأ المشاكل.. وهنا أُلفِتُ إلى حالتين:
الأوَّلى:
ينبغي الانتباه جيِّدًا إلى أنَّ تغير الأحوال أمر طبيعي مادام في الأطر والحدود العامَّة، وليس من المعقول بقاؤها؛ والحال أنَّ الأعمار تتقدم والظروف تتغير والاهتمامات تتبدل، فمن الطبيعي جدًّا أن تأخذ العلاقة الزوجية الهادئة والسعيدة مسارها بحسب الظروف الطبيعية، فابن الأربعين ليس هو عندما كان ابن عشرين سنة، ومن دخل توًّا حياته الزوجية الجديدة ليس هو بعد تكاثر المسؤوليات وضغوطات الحياة، ولذا، لا يصح مقارنة اليوم بالأمس إلَّا في الحدود والأطر العامَّة التي يفترض أن تكون حاكمة وضابطة لتغيرات الحياة الطبيعية.
استطراد: أُشير إلى جهةٍ أرى ضرورة الانتباه إليها، وهي أنَّ لكلِّ إنسان طبيعته الخاصَّة في التعبير عن مشاعره وردود أفعاله، وليس من الصحيح مطالبة أحد الطرفين الآخر بنمطٍ محدَّدٍ من التعبير، بل من رجحان العقل أن يترك الزوج زوجته لتعبر عن حبِّها ومودَّتها له بحسب طريقتها وطبيعتها، وكذا هي عليها أن تترك لزوجها نفس المساحة، بل ومن الرقي بمكان أن يستمتع كلٌّ منهما بطريقة الآخر في التعبير. نعم؛ نحتاج إلى تعبير وإلى ردود أفعال طيبة، ولكن ليست مفروضة النمط والشكل.
الثانية:
قد لا يكون الزوجان أو أحدُهما مُؤهلًا أصلًا لحياة زوجية سعيدة هانئة، وأمَّا تلك الأحلام والأماني، والأيام الجميلة الأولى، فهي ليست أكثر من إجازة سرعان ما يرجعان منها إلى ما كانا عليه من طبعٍ وسلوكٍ وطريقةِ تفكير! كلُّ ما في الأمر أنَّهما أو أحدهما أنغلق على مجموعةٍ مِن تلقينات شاعرية هو في الواقع لا يملك مقدماتها وغير مُؤهلٍ لها.
كلامنا في الحالة الثانية؛ فإليها ترجع الكثير من مشاكل العلاقات الزوجية، ولفهمها نحتاج لتحليل وفهم الواقع السلوكي في الحياة الاجتماعية، وهنا أطرح أمرين:
أوَّلًا:
تنحرف المجتمعات وتدخل في طوفان من الأزمات الأخلاقية عند تعرضها إلى ارتفاع في الضغوط السياسية والاقتصادية والبيئية والتربوية؛ ففي مثل هذه الأجواء الضاغطة عادةً ما يعيش الفرد حالةً من الحصار على مختلف المستويات حتَّى يبدأ الضيق بغزو صدره شيئًا فشيئًا، ولا يعود مستعدًا لتحمُّل ما كان يتحمله قبل سنوات.. أتحسبون حصار الشوارع ذهابًا إلى العمل وإيابًا، ولزيارة ضرورية أو ما شابه أمرًّا هيِّنًا!! ولا أُطيل، فتَنَبَّه..
تلعب هذه الظروف الضاغطة أدوارًا محورية في تحويل التواثق في العلاقات الاجتماعية إلى مسألة هامشية لا ضرر لو فُقِدَت، فهي ليست من المسائل المُؤثِّرة في تحسين الدخل المادي، والحال أنَّ الإنسان في مثل هذه المجتمعات لا تكون حياته مغيَّاة لغير ما يدور في فلك الوضع الاقتصادي، ومن أبرز الأمثلة على الحضور القوي لهذه الحالة، المرتكزاتُ الاجتماعيةُ في الدول الرأسمالية الكُبرى؛ حيث الإنسان الذي لا يجد وقتًا للبكاء على فقيد له إلَّا وقد داهمه وقت العمل.. وبعد حين يعجز عن الظفر بصدر يحتضنه، فيحتضن هو حصانًا أو كلبًا!!
نحن هنا، وبالرغم من الحجم الهائل للضغوط التي نعيشها، إلَّا أنَّنا لا نزال على أعلى مستويات الأدب والأخلاق مع أنفسنا وفي علاقاتنا مع بعضنا البعض، وإنِّي لأقطع جازمًا بأنَّ من يقول خلاف ذلك إنَّما هو طالبٌ للكمال والمثالية، ولو أنَّه يتحدَّث بشيءٍ من الموضوعية لما حاد عن الثناء الحقيقي على مجتمعنا ورقيه العزيز.
نعم، هناك حالات من التدابر في بعض مقاطع الحياة، غير أنَّها لا تُعدُّ شيئًا بالنظر إلى تحشيد كل ما يقتضي التفكك والتمزق المجتمعي، كما ولو أنَّ المقام يصلح لبينتُ رجوعَ الكثير من مشاكل علاقاتنا الاجتماعية إلى تربويات مستوردة من أدبيات حزبية وما شابه!
نحن على هذا المستوى بخير جدًّا، وها هو شهر رمضان يقبل علينا قريبًا إن شاء الله تعالى، وسوف تشهد مجالسنا شهادة حقٍّ لا تُردُّ، فنحن ولله الحمد نعيش المحبَّة والتسامح وسرعة التجاوز والتآلف، بالرغم من الحضور القوي لفاعل الانحرافات السلوكية، إلَّا أنَّنا، ولله الحمد، لسنا قابلين لمثلها.
لا يعني هذا عدم وجود قلَّة قد تعاني بعض الأزمات النفسية، وهذه إن نقلت أزماتها إلى واقعها الأسري فإنَّ ما تعانيه في المجتمع سوف تعانيه في الأسرة.
ممَّا تقدَّم، لا يبدو لي رجوع المشاكل الزوجية، بشكل أساسي، إلى جذر سلوكي اجتماعي.
ثانيًا:
قد يُؤيِّدُ ما انتهيتُ إليه في (أوَّلًا) اشتراك أكثر المشاكل في ما يشبه التكاره بين الزوجين، فإنَّ ما يظهر هو بداية ابتعاد أحد الزوجين عن الآخر وانتشار حالة من البرود بينهما، تعقبها توترات وأجواء مشحونة، وأُرِجع هذه الحالة إلى أمرين رئيسيين:
الأوَّل:
لكلِّ إنسانٍ مفاتيح خاصَّة إلى عقله وقلبه، فهناك مَنْ ينتظر الحوار الهادئ، وهناك من تريحه نظرةُ مودَّة ومحبَّة، وثالِثٌ تعالِجه العزلة لبعض الوقت قبل حاجته إلى حضن يستريح في دفئِه.. وهكذا تتعدَّد طِباع البشر، وعلى كلِّ واحدٍ من الزوجين اكتشاف الطريق الصحيح إلى عقل وقلب الآخر، وهذا الطريق قد لا يعرفه صاحبه، كما وقد يكون في غاية البساطة، وربَّما في غاية الوضوح أيضًا، ولا يحتاج إلى أكثر من سعة صدر وصبر.
عندما يعجز أحدُ الزوجين عن سلوك الطريق الصحيح إلى الآخر، فإنَّه لن يتمكن حينها من احتضانه ليكون له سكنًا ولباسًا، فيفقد الزواجُ بذلك ركنًا رئيسيًا من أركان سعادته.
الثاني:
الحِكمَةُ هي وضع الشيء في موضعه، فلا يكون أكبر منه ولا أصغر.
فلندقق قليلًا..
قال رسول الله (صلَّى اللهُ عليه وآله): “نِعْمَ الولد البنات؛ مُلطفات مُجهزات مؤنسات مباركات مفليات”[5].
وقال (صلَّى الله عليه وآله): “من دخل السوقَ فاشترى تُحْفَةً فحملها إلى عياله كان كحامل صدقة إلى قومٍ محاويج، وليبدأ بالإناث قبل الذكور؛ فإنَّه من فَرَّحَ أُنثى فَكَأنَّما عَتَقَ رقبةً من ولد إسماعيل، ومن أقرَّ بعين ابنٍ فكأنَّما بَكَى من خشية الله، ومن بكى من خشية الله أدخله الله جنَّات النعيم”[6].
إنَّما تشرَّفت بهذين الحديثين للتذكير بأنَّ الله تعالى خلق كلَّ خلقٍ وخصَّه بعوارض تناسبه، وفي كثير من الأحيان لا نتمكَّن من أن نُدرِك بعقولنا الناقصة القاصِره جهات ووجوه التناسب، وإلَّا فقد تدخل امرأةٌ دورات عسكرية متخصِّصة حتَّى تصل إلى مستويات عالية من الجهوزية العسكرية، ولكنَّ الذي ينبغي الانتباه إليه جيِّدًا هو أنَّ نجاحها في العمل العسكري لا يعني صحَّة أن تكون عسكرية! ومن هنا نُدرك أنَّنا قد لا نقف على كل ملاكات مُحدِّدات مكان كل من المرأة والرجل.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): “كَتَبَ اللهُ الجهادَ على الرِجَالِ والنِسَاء، فجهادُ الرجل بذل ماله ونفسه حتَّى يُقتل في سبيل الله، وجهادُ المرأةِ أنْ تصبر على ما ترى من أذى زوجها وغيرته. وفي حديث آخر: جهادُ المرأة حُسنُ التبعل”[7].
وفي رسالة أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الحسن (عليه السلام)، قال: “لا تُمَلِّك المرأةَ من الأمر ما يُجَاوزُ نفسها؛ فإنَّ ذلك أنعم لحالها، وأرخى لبالها، وأدوم لجمالها، فإنَّ المرأةَ ريحانةٌ وليست بقهرمانة، ولا تعدَّ بكرامتها نَفْسَها، واغضض بصرها بسترك، واكففها بحجابك، ولا تُطمِعها أنْ تَشْفَعَ لغيرها فيميل عليك من شفعت له عليك معها، واستبق من نفسك بقية؛ فإنَّ إمساكك نفسك عنهنَّ وهنَّ يرين أنَّك ذو اقتدارٍ خيرٌ مِن أنْ يرينَّ منك حالًا على انكسَار”[8].
وعن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) – في حديث المناهي – قال: “ونهي أنْ تتكلَّم المرأةُ عند غير زوجها وغير ذي محرمٍ مِنها أكثر من خمس كلمات ممَّا لابُدَّ لها مِنه”[9].
وعن أبي بصير، قال: “كنتُ أُقرِئ امرأةً كنتُ أُعلِّمها القرآن، فمَازحتُها بشيءٍ، فقدمتُ على أبى جعفر (عليه السلام) فقال لي: أي شيءٍ قلتَ للمرأةِ؟ (فغطيتُ وجهي)! فقال: لا تَعُودَنَّ إليها”[10].
هذه نماذج من أحاديث مستفيضة تُبين بوضوح شديد ما ينبغي ولا ينبغي لكلٍّ من الرجل والمرأة، وهي أحاديث عن أهل بيت العِصمة (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، وقولهم قول الله جلَّ في علاه.
عمدت المجتمعات، وبإصرار غير مسبوق على إلغاء كافَّة التحديدات، حتَّى أُتيِح للرجل كلُّ شيءٍ، وللمرأةِ كلُّ شيءٍ، وما غوى به الشيطانُ روَّاد هذا الفساد نجاح الرجل في قيامه بما لا يصح إلَّا للمرأة، ونجاح المرأة في قيامها بما لا يصحُّ إلا للرجل، فرُفِعت شعارات إثبات المرأة لنفسها في مختلف ميادين الحياة نجاحًا وإنجازًا، فلِمَ الإصرار على الإبقاء عليها حبيسة البيت للولادة وتربية الأطفال!!
نعم، نجحت المرأة، وربَّما تفوقت على الرجل، وبات المجتمع يعتمد عليها في نسبة كبيرة من نشاطاته الاقتصادية، بل وحتَّى الزوج يحتاج اليوم إلى زوجة موظفة لتعينه في بناء بيت ودفع راتب الخادمة وقسط السيارة، وكل هذا بعد تأكيد الإمام المعصوم (عليه السلام) على أنَّ المرأة ليست بقهرمانة، والقهرمان هو: المدير المُدبر أو المسؤول المالي أو ما شابه!!
النجاح في شيء لا يعني صحَّة القيام به، وهذا أمر لا بدَّ من الانتباه له جيِّدًا..
لا تستنقص أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) من المرأة، ولكنَّ الله تعالى خلق المرأة ريحانة، وأراد لها البعد عن كلِّ ما يسلبها ولو مقدار قطمير من نعومتها ورقتها وشدَّة حيائها..
أراد الله جلَّ في علاه للمرأة حياءً يدفعها لإخفاء ظلها عن الأجنبي، فتكون جوهرة مصونة لزوجها وعيالها، وهذا مقام رفيع لن تفهمه المرأة حتَّى تعي جيِّدًا رقيَّ أن تكون امرأة..
وفي المقابل نهى الله تعالى الرجل عن ممازحة ومفاكهة النساء في غير حدود ضيقة، بعد أن أمره بغض بصره وحرَّم عليه النظر إليهنَّ نظرة افتتان وريبة!
تعيش المجتمعات اليوم خطرَ عدم مراعاة هذه الموازين الإلهية الجليلة، فأصبح الزوج للزوجة مجرد خيار، والزوجة للزوج مجرد خيار.. والخيارات مفتوحة لصداقات وزمالات وصحبة ورفقة..
قد يجد الزوجان في غير مكان ومكان ما يبحثان عنه من دفء كان محصورًا في بيت الزوجية.. هو اليوم في كلمة من (زميل في العمل)، وفي نظرة هنا وابتسامة هناك.. وفي مذاكرة جامعية وغير ذلك..
كلُّها علاقات (شريفة) لا تشوبها شائبة، ولكنَّها غالبًا ما (توسِّعُ) العين وتفتح القلب على مقارنات ومقايسات، وعلى ليت ويا ليت!
قالت: طلِّقوني من زوجي وإلَّا فعليكم أن تتحملوا مسؤولية خيانتي له!!
من أين جاءت بهذه الجرأة؟ وهل تطليقها حلٌّ لمثل هذه الكارثة الأخلاقية والمصيبة الحيائية؟!
فلنغير الوجهة قليلًا..
لو فتحت الثقافة العامَّة الباب أمام الرجال للتعدُّد في الزوجات، فإنَّهم لن يكتفوا لا باثنتين ولا بثلاث وبلا بأربع؛ والسبب في ذلك أنَّ الباعث على التعدُّد ليس هو الدافع الطبيعي الذي شرَّع الله تعالى من أجله التثنية والتثليث والتربيع، بل هو لأنَّ العين في هذا الزمان لن تكتفي بنساء الدنيا، كيف وهي ترى أشاكلًا وانواعًا وألوانًا منهنَّ في كلِّ مكان؟!
القضية -أيُّها الأفاضل- ليست حيوانية ولا شهوية بالشكل الذي يتوهمه البعض، بل هي حالة طبيعية تفهمها السماء جيِّدًا، ولذلك نهى الله تعالى عن الاختلاط في غير حدود مقرَّرة.
ينبهر البعض بأوروبا، وهنا لا بدَّ من التنبيه إلى أنَّ العيب والغلط والمنكر عندهم ما عاد لا عيبًا ولا غلطًا ولا منكرًا، ولذلك لا يلتفت المجتمع أصلًا إلى الأولاد إن كانوا من أبوين متزوجين أو لا! وقد تعيش الزوجة مع صديقها، وزوجها مع صديقته بلا إنكار من أحد، ولذلك هم يعيشون تطبيعًا متقدمًا مع المنكرات، وليس في الحياة عندهم أهم من إنتاج المال!
يُقَال: أتريد إرجاع المرأة إلى عصور الجهل؟
فأقول: بالرغم من الكم الهائل من المغالطات التي يُسوِّق لها جنودٌ مُجنَّدة من شياطين الجن والإنس، إلَّا أنَّني أُعرِض عنها في هذا المقال، وأجيب بأنَّني لا أنا ولا الآلاف غيري يمتلكون القدرة على إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، ولكن على كلِّ من يصرخ من ويلات المشاكل الزوجية والطلاق والخيانات أن يتدرب على عدم الصراخ ما بقي منشأ هذا النوع من البلايا.
وأقول: مهما ابتدعتم وابتكرتم من حلول، فإنَّكم لن تحققوا شيئًا ما لم تُطبِّعوا مع المنكرات كما فعل الغرب.
قال الله جلَّ في علاه: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[11].. هيهات أن يرجعوا؛ فإنَّه (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى)[12].
كان ذلك حول مناشئ الأزمات الزوجية، إلَّا أنَّها في مجتمعنا لم تصل إلى ما يستدعي الاستنفار؛ فنحن وبالرغم من انتشار الشيطان بصنوف مخططاته الوقحة القبيحة، إلَّا أنَّ روادع التدين لن تكون عندنا إلَّا قوية عفية، ومهما سقط بعضٌ في امتحان هنا أو آخر هناك، فسرعان ما يستنقذه الإيمان المجتمعي من حيث لا يدري، وهنا أودُّ التنبيه إلى عدم صحة ما يشاع حول تردِّي واقع العلاقات الزوجية والأسرية عندنا. نعم، هناك حالات متأزمة، ولكنَّ كثرة النافخين أظهروا مجتمعنا وكأنَّه مستنقع من المشاكل والخيانات، وهذا غير صحيح أبدًا، ودون إثباته ببينة مقبولة خرط القتاد.
عندما يتحدَّث قانونيٌ أو عالمُ دين أو مستشار أسري، فهو يتحدث من واقع أنَّه لا يرى غير المشاكل، وبمجرد خروجه عن هذا الإطار الحاصر سوف يرى صورة مختلفة تمامًا.
ارجعوا أيُّها الأكارم إلى أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) في العلاقات الزوجية وبناء الأسرة ورعاية الأولاد والتربية، وسوف تقفون على الأخطاء، ولن تتخلفوا عن معالجتها برؤى أهل بيت العصمة (عليهم السلام).. فقط اقصدوها، واتركوا الباقي على الله سبحانه وتعالى.
السيد محمَّد بن السيد علي العلوي
24 جمادى الأولى 1440 للهجرة
البحرين المحروسة
……………………………………..
[1] – الكافي – الشيخ الكليني – ج 2 – ص 235
[2] – روضة الواعظين – الفتال النيسابوري – ص 470
[3] – سورة الشمس، الآيات من 7 إلى 10
[4] – سورة الرعد، الآية 11
[5] – الكافي – الشيخ الكليني – ج 6 – ص 5
[6] – ثواب الأعمال – الشيخ الصدوق – ص 201
[7] – الكافي – الشيخ الكليني – ج 5 – ص 9
[8]– الكافي – الشيخ الكليني – ج 5 – ص 510
[9] – وسائل الشيعة (آل البيت) – الحر العاملي – ج 20 – ص 197
[10] – وسائل الشيعة (آل البيت) – الحر العاملي – ج 20 – ص 198
[11] – سورة الروم، الآية 41
[12] – سورة طه، الآيات من 124 إلى 126