عاشوراء باب حطَّة للمؤمنين ll مقالة بقلم سماحة الشيخ عبد الرضا الداروغة

بواسطة Admin
1 تعليق

مقالات عاشوراء

يدخُلُ علينا في هذه الأيام هلالُ محرمِ الحرام، لتنتشر في مجتمعنا مظاهر الحزن والألم على مصاب سيد الشهداء (عليه السلام)، الذي يعتبِرُ جميعُ الشيعة -في مختلف الأصقاع- أنَّه لولا الحسين لما بقي الإسلام، فهو (عليه السلام) بسفك دمه الطاهر حافظ على نقاء الدين من أدناس الجبابرة والمستكبرين، الذين اتَّخذوا عباد الله خُولاً ودينه دُولاً، فاستنقذ اللهُ بهِ عباده من الجهالة وحيرة الضلالة.

يلاحظ على الناس في مثل هذه الأيام الاهتمام البالغ بقضية الإمام الحسين (عليه السلام) وما جرى عليه وعلى أهل بيته في كربلاء، كما ويلاحظ على هذا الاهتمام صدوره من كل فئات المجامع (الشيعية)، النساء والرجال، والشيوخ والأطفال، الملتزمُ وحتَّى غير الملتزم بتعاليم الدين، وهو (هذا الاهتمام) يكشف عن تربع الحسين (عليه السلام) في وجدان كلِّ شيعي، حتَّى لو لم يكن على قدرٍ من الالتزام.

هذا من جانب، ومن جانبٍ آخر، هناك ما يعيشه بعضُ أفراد المجتمع، وهي حالات فردية، لكن من أراد إصلاح الحال، لابدَّ له من تناول هذه الحالات، ففي النهاية هم شيعة، وكلُّ شيعي أمره مهم، كما أنَّ كل واحد من المجتمع هو لَبِنة في سور المجتمع الذي يحمي أفراده، فلو تخلينا عن هذه اللبنات لضعف البناءُ الحامي، وتهاوى أمام أدنى ريح!

أقصد بكلامي البُعد النفسي والصراع الداخلي بين الفطرة الخيرة والنفس الأمارة، وهو بعدٌ يعيشه بشكل أكثر وضوحًا غيرُ الملتزم بتعاليم الإسلام، مع تعرُّض المتدينون له أيضًا، ولكن بدرجات قد تكون أقل وأضعف، وعلى كلٍّ فإنَّ كمَّ وكيف الهجمات الشيطانية التي يشنها إبليس وأعوانه من الجن والإنس على المؤمنين لحرفهم عن طريق أهل البيت (عليهم السلام) لا يستهان بها.

في بداية الحديث استعرض بعض الحالات التي ربما عايشها أو سمع عنها كثيرٌ منا:

  • شابٌ يستمعُ إلى المعازف ويطرق أبواب الشهوات ولا يبالي بما قال أو قيل فيه، يأتي عليه شهرُ محرم الحرام، فنراه ملتزمًا مصليًا، تاركًا للمناكر، مرتادًا للمساجد والمآتم.. وبعد انتهاء أيَّام عاشوراء يصبر عن الذنوب فترةً، ثُمَّ يعود لها ثانية.
  • شابةٌ لا تهتم بحجابها ولا بدينها، يهلُ عليها هلالُ المحرم، فنراها تقومُ من طريقٍ لتقعد في آخر لمشاهدة مواكب العزاء، مع عدم مراعاتها للحجاب أو الحياء!

لكنَّها تصرفُ الكثير من وقتها لتجلس في الشارع لتراقب المواكب وربما تدمع عينها بعض الأحيان!!

  • رجلٌ ملتزمٌ بالصلوات، وبحضور المآتم والمساجد، نراه من حسينية إلى أخرى يبكي بكاء الثكلى على مصاب الحسين (عليه السلام)، ولربَّما كان من العاملين في خدمة المعزين، لكنَّ زوجته حاسر، وربَّما بناته أيضًا!!
  • رجلٌ أو امرأةٌ رهنوا أنفسهم لخدمة المعزين، وربَّما كانوا قائمين على أحد المآتم أو المضائف أو المواكب، لكنهم يحقدون على غيرهم ويعادونهم، لأنَّهم ينافسونهم في الخدمة، وربما افتعلوا الأفاعيل والأقاويل لإسقاط ابن أو ابنت قريتهم؛ فقط لأنَّه من رواد الحسينية الفلانية أو الموكب الفلاني!!

عند عرض هذه الحالات تعرض على الذهن عدة أسئلة وأفكار، ولكنَّ سؤالًا لا ينفك عن العروض ويلخصُ كثرة الأسئلة، وهو: أين هؤلاء من الحسين وفكر الحسين؟

والإجابة على هذا السؤال تتطلب منَّا فهم عدَّة جهات:

الأولى: أنهم جميعهم من محبي الحسين (عليه السلام)، وأنَّ أغلبهم من ذوي المعادن الطاهرة، وإنَّما عرضت عليه عوارض شوهت هذا الطهر وغطت عليه، فيغيب عنهم في أحيان ويظهر في أخرى تكون فيه هذه العوارض قد زالت عن معادنهم.

الثانية: إنَّ إبليس وجنوده من الجن والإنس يعملون ليل نهار بلا كللّ أو مللٍ لحرف الصالحين عن صلاحهم، وأنَّهم يجندون كل الوسائل الممكنة لهذا الغرض، حتَّى سجادة الصلاة والبكاء على الحسين (عليه السلام) من الممكن أن تكون من حبائل الشيطان، فهو لن يفرط في أي طريقة أو فرصة تأتيه لخدمة مشروعه الذي أقسم لله أن ينفذه ولهذا (قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ).

الثالثة: أنَّنا إذا أردنا إصلاح هذه الحالات وغيرها وجب علينا إزالة مقدماتها، وإزالة المقدمات يقوى عليها طرفان، الطرف الأول- والذي عليه المعول- هو نفس الشخص، فعليه أن يدرك عدم صحة أفعاله، ويفهم عواقبها عليه وعلى غيره، فيكون تحركه بدافعٍ ذاتي، فهو أقوى في التحرك وأدوم، فينظر في مقدماتها وأسبابها، فإن غيرها تغيرت أعماله تبعًا لمقدماتها، وأمَّا الطرف الآخر فهو المجتمع أو البيئة المحيطة بهذا الإنسان، فإذا أراد الأغلب عيش حالة الصلاح وجب عليهم إشاعة أجواء الصلاح لكي لا تبقى لغير الصالح حجة، وشهر محرم بطبيعته الحسينية، من الشهور التي تعم فيها أجواء الصلاح والإصلاح، فلنتخذه بابًا من أبواب الهداية والعصمة من الغواية.

الرابعة: إنَّ مِن البشر مَن لا سبيل لصلاحهم؛ إمَّا لكثرة الذنوب فلا يهتدون لتوبة، أو لخباثة طينة، والعياذ بالله، أو لأمورٍ نعلمها أو لا نعلمها، فإنَّك إن نصحتهم أم لم تنصحهم هم على حالهم لا يتغيرون، وهم قلة قليلة جدًا. علينا أن لا نصرف كل طاقتنا في سبيل استصلاحهم فالسبخةُ لا ينبت فيها إلا الملح.

ولكي لا يكون الحسين (عليه السلام) وعاشوراء مجرد عادة اجتماعية نتزاور فيها ونتشارك الآلام ونستشعر فيها روح التضحية والإثار فقط، وعند التطبيق نفشلُ في الاختبار، وجب علينا مراجعة ما يصدر منا من أقوالٍ وأفعالٍ وما هي نتائجها، فالعمر واحد والسنون تمضي والموت يبغتنا من حيث نحتسب ومن حيث لا نحتسب، فلا ينبغي لنا أن نكون وقودًا للنار (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ).

 

عبد الرضا الداروغة

23 من ذي الحجَّة 1439 للهجرة

قرية عراد – البحرين

مقالات مشابهة

1 تعليق

خادم الحسين 7 سبتمبر، 2018 - 5:40 م

نعم عاشوراء فترة لإستصلاح النفوس والهداية فكما أشرتم نرى الغير ملتزم يلتزم في أيام عاشوراء وإصلاح النفس فيها قائمٌ بشكل أساسي على الشخص نفسه لان في هذاه الأيام الناس منشغلة في المآتم ومواكب العزاء وخدمة الحسين (ع) وقليلة هي المحاضرات التي تتطرق الى الأمور الإصلاحية .
ما اريد الوصول اليه هو اننا علينا ان لا نكتفي بعشرة المحرم لكي نحاول إصلاح النفوس فهيا عشرة أيام في السنة علينا ان نجد سبيًلا لكي نساعد هؤلاء الناس على إصلاح نفوسهم في باقي الأيام وليس الاقتصار على عشرة محرم.

بارك الله في جهودكم

رد

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.