الإمامة المبكرة للإمام الجواد (عليه السلام) ومفردات العلم والمعرفة ll بقلم: الأستاذ محمَّد يوسف العرادي

بواسطة Admin
0 تعليق

العلم والابتلاء (الامتحان) مفردتان متلازمتان، كلما زاد العلم توسعت قاعدة الابتلاء، والعلم والمعرفة تزدادان بالتحصيل وطلب العلوم من مصادرها، وهذا يتطلب بذل الجهود للارتقاء بالمستوى العلمي والمعرفي، هناك من يقيس العلم والمعرفة بمدى القدرة على التحصيل وتخطي عقبات الابتلاءات، وقدرة العالم على إثبات علميته من خلال المناظرات والقدرة على إثبات الحجة ومقارعة الجهابذة من العلماء وإدحاض حججهم، لذلك ذهب من يعتقد بأن العلم مصدره جهد الإنسان في التحصيل العلمي، وما يأتي من غير هذا المصدر يعتبر مستحيلًا!

فيما يتعلق بتعليم الإمام الصادق لجابر بن حيّان علم الكيمياء، يأتي أحد المؤلفين ليُكَذب هذه الحقيقة، مدعياً بأنه لم يكن في المدينة المنورة أساتذة في علم الكيمياء، فمن أين اقتبس الإمام الصادق (عليه السلام) هذا العلم؟

إن عقلية هذا المؤلف مبرمجة بأن العلم مصدره كتاب أو معلم أو مدرسة، متجاهلاً كل مصادر العلم المختلفة من الإلهام والغيب إلى جانب التحصيل والجهد، وهنا تبرز مسألة الغيب في تلقي العلوم، فهناك من يرفضها تماماً إلا في حدود الضرورة، وهناك من يتبناها بشكل مطلق معتبراً كل حركة للإنسان لا تخرج عن نطاق الغيب، إن الانسان فاعلٌ مهم في صنع التاريخ والغيب ربما جزء مهم فيما يصنع..

إن من يحصر تلقي العلم من مصدر مادي يقع في مأزق نسف كل خوارق العلم، والقدرة الإلهية في اختيار ووهب الصالحين من عباده تلك المنزلة، وربما يحتاجون الى تأويلات بعيدة عن الدين، بل وينكرون عصمة النبي وأهل بيته…

والابتلاء الذي وقع بعد استشهاد الامام الكاظم (عليه السلام) وظهور ما يعرف بالفرقة (الواقفية) خير دليل على تسرب الشك وعدم فهم مقام (الإمامة) الإلهية إلى جانب نزعة الطمع وحب الذات، {وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فاتمهن قال إني جاعلك للناس إماما} فالإمامة جعل إلهي لا يحدد بإختيارات البشر {ولما بلغ أشده ءاتيناه حكماً وعلماً وكذلك نَجْزِي المحسنين}.

وهذه النظرة استمرت حتى وصلت لعقلية بعض أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام)، وتسرب بعض الأفكار الواقفية معتبرين مصادر العلم وعمر من يتصدى له أمور مهمة، روي أنه لما قبض الرضا (عليه السلام) كان سن أبي جعفر نحو سبع سنين، فاختلفت كلمة الناس في بغداد وفي الامصار، واجتمع الريان بن الصلت، وصفوان بن يحيى، ومحمد بن حكيم، وعبدالرحمن بن الحجاج، ويونس بن عبدالرحمن، وجماعة من وجوه الموالين وثقاتهم في دار عبدالرحمن بن الحجاج في بركة زلول يبكون ويتوجعون من المصيبة لأنهم من قادة الحركة آنذاك، فقال لهم يونس بن عبدالرحمن: دعوا البكاء! من لهذا الأمر؟ والى من نعقد إلى أن يكبر هذا؟ يعني أبا جعفر (عليه السلام)، فقام الريان بن الصلت ووضع يده في حلقه ولم يزل يلطمه ويقول له: أنت تظهر الإيمان لنا وتبطن الشك والشرك؛ إن كان أمره من الله جل وعلا فلو كان ابنَ يوم واحد لكان بمنزلة الشيخ العالم وفوقه، وإن لم يكن من عند الله فلو عمَّر الف سنة فهو واحد من الناس، فأقبلت المجموعة عليه تعذله وتوبخه.

إن هذه الرواية تكشف التيه الفقهي في مسألة الإمامة عند بعض الشيعة، مع عدم غياب العقول الواعية لكشف هذا الريب والارتياب..

هناك نموذجاً من العقلية الواعية لمسألة الإمامة ترجمها تعامل علي بن جعفر الصادق ذلك العلم العالم ابن الإمام الصادق (عليه السلام)، روى محمد بن الحسن بن عمار قال: كنت عند علي بن جعفر الصادق (عليه السلام) بن محمد الباقر (عليه السلام) جالساً بالمدينة وكنت اقمت عنده سنتين أكتب ما سمع من أخيه، يعني أبا الحسن، اذ دخل عليه أبو جعفر محمد بن علي الرضا المسجد، فوثب عليُ بن جعفر الصادق بلا حذاء ولا رداء فقبل يده وعظمه، فقال له أبو جعفر (عليه السلام): يا عّم اجلس رحمك الله، فقال: يا سيدي كيف أجلس وأنت قائم ، فلما رجع علي بن جعفر إلى مجلسه، جعل أصحابه يوبخونه، ويقولون: أنت تفعل به هذا الفعل؟

فقال: اسكتوا! إذا كان الله عزَّ وجلَّ، وقبض على لحيته، لم يؤهل هذه الشيبة وأهّل هذا الفتى ووضعه حيث وضعه، أفأنكر فضله؟ نعوذ بالله مما تقولون، بل أنا له عبد.

وفي موقف آخر كما جاء في الرواية لما أراد أبو جعفر (عليه السلام) النهوض قام علي بن جعفر فسوى له نعليه، حتى يلبسها.

إن هذا امتحان كبير أن يأتي رجل مثل علي بن الامام جعفر الصادق وأسن رجل في بني هاشم، يأتي إلى الإمام الجواد (عليه السلام) ويدين له بالطاعة والولاء امتثالاً لأمر الله ورسوله.

وبشكل طبيعي مرت السلطة العباسية بالمحنة ذاتها وإفرازاتها العقلية، مما حدا بهم إلى  امتحان الإمام محاولين دحض وإبطال المنزلة العلمية للأئمة (عليهم السلام)، وهذه العقلية المريضة دائمة الفشل، وإجابة الإمام الجواد على ثلاثة آلاف مسألة في مجلس واحد، وانقلاب السحر على الساحر (يحيى بن أكثم) قاضي القضاة ومفتي السلطة العباسية خير دليل تاريخي على انهزام الجهل قبالة العلم اللدني.

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.