فطرةُ الإنسان تدعوه للتمسك..ll مقال لسماحة الشيخ محمود سهلان

بواسطة Admin
0 تعليق

حبّ الإنسان لنفسه، ورغبته بأن يكون سعيدًا، وحاجته للشعور بالأمان، أمورٌ تقوده للتمسك بما يحقق له ذلك -الأمان والسعادة- وغيره من الحاجات والرغبات، فنجده على سبيل المثال يبحث عن المال ليؤمِّن حاجاته اليومية، ويتعالج من الأمراض، ويطرد الأوجاع والآلام والمخاطر عن نفسه، فيبتعد عن كلّ خطرٍ يحتمله كحبسه الحيوانات المفترسة، والسكنى بعيدًا عنها، وغيرها من بديهيات الأمور الكاشفة عن حبّ الإنسان لنفسه وسعيه لسعادته وأمنه.

 

قد يكون ما مرّ متعلق بشكل أكبر بعالم الشهود، أما الغيبيات فهو عاجزٌ عن فهمها أو معرفتها بعقله بشكلٍ تام، وإن تمكن من بعضها، فهو لذلك محتاجٌ للعالِم بالأمور الغيبية والعالم بما وراء هذه الطبيعة التي يعيشها حتى يكشفَ له ما هو خافٍ عنه ويعرِّفَه إياه، لذلك لا بدّ من التمسّك بالقادر على ذلك ممّن يستطيع أنْ يأَمن على نفسه عن طريقه ويطمئنّ له، وما تتحقّق سعادته عن طريقه، بما يدفع أيّ خوفٍ من نفسه ليحلّ الاطمئنان بدلًا عنه.

 

ومن الواضح أنّ الأعرف بالشيء هو صانعه، والأعرف بالمخلوق هو الخالق، وعليه فهو العارف بمصلحته وما يحقّق له أمانه وسعادته، فيكون التمسّك به واتباعه هو الطريق الصحيح لأنه لا يتم طريقٌ آخر غيره، وغيرُ خافٍ أن الله تعالى هو العارف بما صنع وبما خلق، أما غيره فلسانه (قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) [البقرة:٣٢].

 

ولمّا كان الخالقُ سبحانه وتعالى غير متجانسٍ مع مخلوقاته كما هو مقرّرٌ في محله، لزم بالضرورة حسب القواعد الكلامية -كقاعدة اللّطف- أن يعرِّف بالطريق الذي ينبغي للعبد أن يسلكَه بشكلٍ واضح، ليتسنّى للعبد أن يمشي فيه نحوه، فما هو ذاك الطريق؟

 

ينزل الوحي آمرًا الرسولَ بأن يبلّغ المطلوب منه، وبما أنه سيرحل من هذه الدنيا، وبما أن الأرض لا تخلو من حجّة، كان من اللازم تعيين الخليفة والحجّة الذي يربط الناس بخالقهم، وقد أدّى صلى الله عليه وآله ذلك وبالغ في أداءه، حتى قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) [المائدة:٣].

 

إكمال الدين وإتمام النعمة كان بتعيينِ الخليفة الشرعيّ المعيّن من قِبل السماء، ليكون هناك حبلٌ يربط أهل الأرض بالخالق تعالى، ليهديَهم ويستنقذَهم من الظلمات إلى النور على طول الخط، وبالإضافة إلى هذا فقد أكثرَ رسول الله (ص) فيما ورد عنه من التأكيد على إمامة عليٍّ (ع) من بعده، بل على كلّ الأئمة من بعده بالتعيين وذكر الأسماء، وبغيرها من الطرق كالتوصيف، وذلك راجعٌ للأهمية البالغة لوجود خليفةٍ لله تعالى على الأرض ولخطورة الأمر.

 

فيما يتعلق بموضوعنا بشكلٍ خاص يرِدُنا الحديث المشهور -المتواتر تواترًا معنويًا عند الفريقين- على أقلِ تقدير، فيؤكد على التمسّك بما يمنع الضلال، وذلك قول رسول الله (ص): (إني تاركٌ فيكم الثقلين، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلوا: كتابَ الله وعترتي أهل بيتي، وأنهما لن يفترقا حتّى يردا عليَ الحوض) [وسائل الشيعة]. فنجد الحديث الشريف يدلّنا على الكثير من المعاني المهمّة، فإن رسولَ الله (ص) يترك فينا ما يعصمنا التمسّك بهما من الضلال، فتتأكّد أهميّة ما تركه (ص)، ثم يبين ما هما، ثم يؤكِّد بأنهما لن يفترقا حتّى يردا عليه الحوض؛ أي أنهما سيظلان معًا إلى يوم القيامة، ونستفيد من هذا أن التمسك بأحدهما منفردًا لا يحقّق العصمة من الضلال.

 

بعدما مرّ أقولُ بأنّ الأمان والسلامة والطمأنينة والسعادة فيما يتعلق بالمغيّبات قد تحدّد طريقه، فالاتصال بالغيب طريقه هو القرآن والعترة الطاهرة، بعد أن ثبت في محلّه أنّ القرآن وحيُ الله على رسوله (ص)، وأن آل البيت (ع) هم الحجج على الخلق، لذلك أرى أنه لا طريقَ للحقِّ سوى التمسّك بالحبل المتصل به، وهو ما حدّده الحديث الذي ذكرناه، وهو ما يتوافق مع غريزة الإنسان وفطرته.

 

محمود سهلان

٢ رجب ١٤٣٩هـ

٢٠ مارس ٢٠١٨م

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.