قد يقومُ بعض الأنبياء والأوصياء ببعض الأفعال التي تشكِّل صدمةً للمتلقي فردًا كان أم جمعًا، خصوصًا فيما يتعلق بالمسائل الكبرى كالتوحيد مثلا، ولذلك أمثلةٌ حكاها القرآن الكريم، كما فعل إبراهيمُ عليه السلام حين واجه مجتمعه وحطّم الأصنام، وكما واجه موسى عليه السلام فرعون، وغيرها من الحوادث.
عندما يكون الحديث عن الأنبياء أو الأولياء من المعصومين عليهم السلام فنحن نتحدّث عن معصومٍ يصيب الواقع دائمًا، ويعلم ما هو الحق دائمْا، كما أنه محيطٌ بالأمور، بل قد يِستدلُّ على علمه بما هو كائنٌ في المستقبل، وهذا ما لا يمتلكه الإنسان العادي، وهذا الفارق الجوهري بين المعصوم وغيره تترتَّب عليه أمورٌ كثيرة، فمن يعرف حقائق الأمور ليس كمن لا يعرفها..
يعتمد الكثير من العلماء والمبلغين على أسلوب الصدمة كما يعبّر البعض، فيأتي ليطرح شيئًا مفاجئً صادمًا للناس بقصد، كأن يشير إلى معتقدٍ من معتقداتهم أو فعلٍ من أفعالهم ويصفه بعدم الصحّة أو الخرافة أو ما شابه، فيترك الناس في حيرةٍ من أمرهم -بغض النظر عن صحة ما يذهب إليه من قول-، فتحلُّ بالناس عدة حالات، بين ذهولٍ وشكوكٍ وتزلزلِ معتقدٍ وفكرٍ وغيرها..
لا أقول أنّ هذا الفعل غيرُ صحيحٍ دائمًا، لكنني أتساءل: هل يستطيع هذا الإنسان العادي -غير المعصوم- أن ينطلقَ مما سبّبه من حالاتٍ ليعود بالناس للسكّة الصحيحة؟ وهل يتمكّن من السيطرة على الآثار السلبية -الكثيرة- المحتملة لفعل الصدمة؟ وهل نفدت الطرقُ الأخرى حتى احتاجَ لهذا الأسلوب؟
أسئلةٌ كثيرةٌ قد ترد على هذا الأسلوب، فتَزلزلُ يقينَ البعض وشكوكُ غيرهم من يتحمّلها؟ وما هو أثر ذلك على المجتمع؟ أَوَليس من وظائف العالم والمبلّغ التصحيح والمساهمة في تكوّن حالات اليقين في قلوب المؤمنين؟ قد يكون الشكّ طريقًا للبحث والسؤال، لكن هل هو مما ينبغي أن نخلقه أم لا؟
على أيّ حالٍ أكتفي بالتساؤلات الماضية..
قد تصدم شخصًا مّا بقولٍ أو فعلٍ مقصودٍ وتعود للتصحيح بجهدٍ يسير، وقد تفعل نفسَ الفعل مع مجموعةٍ صغيرةٍ وتصحّح الأمور بجهدٍ أكبر بقليل، ولكن قد تحتاج لجهودٍ مضاعفةٍ دون فائدةٍ مع مجموعةٍ أكبر، بل حتى مع المجموعات الصغيرة والفرد الواحد، فليس الكم وحده هو ما ينبغي ملاحظته..
أهلُ البيت عليهم السلام مع أنّ كلّ حرفٍ من كلامهم حقٌّ لكنّهم منعونا من الحديث في بعض الأمور، ومنعونا من إذاعة سرّهم، وغيرها من التنبيهات والتحذيرات، ومن أسباب ذلك أن لا يُنكر البعض ذلك، كما أنّنا ينبغي أن نلاحظَ مستويات الناس ودرجاتهم في تعقّل الأمورِ وفي إيمانهم، فليس الأمرُ باليسير كما قد يتصوّر البعض، فمن أحيا نفسًا له أجرٌ عظيم، ولكن ماذا عمّن أمات نفسًا؟!
مسألةٌ ينبغي أن تُراجعَ جيّدًا، وأن لا تكون هي الأسلوب المتّبع بشكلٍ مستمرٍّ من البعض، فإن كان متيقنًا من ضرورتها وجدواها فهي، وإلا فجعلها من الحلول المتأخِّرة أقرب للحكمة كما أرى، فعندما أسعى للبناء لستُ مضطرًّا دائمًا للهدم، فقد يكون شراء أرضٍ جديدةٍ وتأسيس أساسٍ قويٍّ عليها ثم البناء ممكنًا، وحينها لا يبعد كونه الخيار الأفضل..
محمود سهلان
١٤ جمادى الثانية ١٤٣٩هـ
٢ مارس ٢٠١٨م