العبادة طريقُ التكامل ll سماحة الشيخ محمود سهلان

بواسطة Admin
0 تعليق

قيلَ أنّ العبادة [لله] تعني غاية الخضوع والتذلّل له.

 

نقول في التشهد بصلواتنا: (وأشهد أنّ محمدًا عبدُه ورسوله).

 

نقول عبده أيْ عبد الله، لأن العبادة لله هي أسمى ما يمكن أن يعيشه المخلوق، ولعل تقديمَها راجعٌ لكونها هي الطريق التي سلكها رسول الله صلى الله عليه وآله حتى بلغ مرتبة الرسالة الخاتمة، وبلغ مرتبة أفضل وأشرف المخلوقات، هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى فهي إشارةٌ لكون العبودية لله شرفٌ للعبد حيثُ أننا نصِف هنا خير خلق الله بأنه عبدٌ لله ونؤكّد ذلك، وفي خير العبادات وهي الصلاة، فلا ينبغي لأي عبدٍ أن يستنكف أو يتساهل في أداء حق العبودية لله تعالى..

 

نال نبيُ الله إبراهيم عليه السلام عديد الدرجات التي يغبطه عليها حتى الأنبياء والرسل، وكان يتدرج من مرتبةٍ لأخرى، وكلّما تجاوز اختبارًا وابتلاءً ارتقى على سلَّم الدرجات، حتى بلغ القمّة أو كاد! فكان عبدًا ورسولًا وخليلًا وإمامًا، وكان دعاؤه مستجابًا، وأكرمه الله بالذرية الصالحة التي كانت من الأنبياء والأولياء، بل أن أهل بيت الرسالة صلوات الله عليهم من ذريته، فما أعظم هذه المراتب.

 

قال تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ * وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [البقرة: ١٢٤-١٣٢].

 

التأمل في الآياتِ السابقةِ يكفي لبيان عظمة إبراهيم عليه السلام، وما حصل عليه من الدرجات.

 

وصل نبي الله إبراهيم عليه السلام لهذا لأنه كان عابدًا، لأنه كان في غاية الخضوع والتذلل لله تعالى، وليست المسألة كما قد يظن البعض في كثرة الصيام والصلاة فقط، بل في كلّ العبادات وفي كلّ جنبات الحياة، وفي تجاوز الاختبارات الشديدة الصعوبة، فمَن منّا يُقدِم على ذبح ولده طاعةً لله تعالى واستجابة، هذا مشهدٌ من المشاهد العظيمة التي سطَّرها خليلُ الله عليه السلام.

 

قال الإمام الصادق عليه السلام: (إنّ الله تبارك وتعالى اتخذ إبراهيم -عليه السلام- عبدًا قبل أن يتخذه نبيًا، وإنّ الله اتخذه نبيًا قبل أن يتخذه رسولًا، وإنّ الله اتخذه رسولًا قبل أن يتخذه خليلًا، وإنّ الله اتخذه خليلًا قبل أن يجعله إماماً، فلمّا جمع له الأشياء قال: (إني جاعلك للناس إمامًا)، قال: فمِن عِظَمِها في عين إبراهيم قال: (ومِن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين)، قال: (لا يكون السفيه إمام التقي)[أصول الكافي].

 

أمّا عبادة رسول الله صلى الله عليه وآله فلا مثيلَ لها، ومنها أنه كان يصلي الليل وهو واقفٌ على أصابعه حتى تورَّمت قدماه، وأنه كان يقرأ ثُلثَ القرآن في مرضه، وأنه كان يستغفر الله من غير ذنب، وأنه لم يؤذَ نبيٌ كما أوذي، ولكنه ثبت وأدى دوره على أكمل وجه، ومواقفه صلوات الله عليه -في الثبات على ما يرضي الله- كثيرةٌ لا تحصى.

 

وعليه نالَ رسولُ الله صلّى الله عليه ما لا ينال غيره، فإن الله الكريم أكرمَه بالرسالة الخاتمة، وأن جعلَ أهلَ بيته عليهم السلام خير خلق الله من بعده، وأن ابنته الزهراء عليها السلام كانت سيدة نساء العالمين، وأنه الشفيع لمن تابعه وشايعه، وغيرها من العطايا الربانية والدرجات الرفيعة.

 

وهنا أقول أننا ينبغي أن ندرَّب أنفسنا على ألا نستثقل العبادة، والتي تعدُّ يسيرةً تجاه تكاليف الأنبياء والأولياء خصوصًا أولي العزم من الرسل وآل البيت من الأولياء صلوات الله عليهم، فبقليلٍ من التأمل نجد أن الله تعالى وهو الغني المطلق مستغنٍ عن كلّ ما نقدّم، ولا يضره كفرنا أو تخاذلنا، بل نحن الفقراء المحتاجون لتأدية هذه العبادات لنسدَّ فقرنا ونتكامل، فلا يوجد طريقٌ آخر لبلوغ الكمال، ولا يوجد طريقٌ آخر يتوافق مع غرائزنا المغروسة فينا، وعلى رأسها حبّ الذات والرغبة في الخلود..

 

وليكن في الحسبان أن كلَّ عبادتنا لا يمكن أن تؤدي حقَّ نعمةٍ واحدةٍ من نعم الله، فهل تصح منّا الغفلة عن عبادة الله للحظةٍ واحدة؟!

 

محمود سهلان

٢٩ محرم ١٤٣٩هـ

١٩ أكتوبر ٢٠١٧م

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.