شَعَائِرُ عاشُورَاء والتعليق على فعلية الإشعار من الفاعل

بواسطة Admin
0 تعليق

تواترت الأحاديث عن أهل بيت العصمة (عليهم السلام) في البعث على إحياء خصوص أمرِ الإمام الحسين (عليه السلام) من زيارةٍ وندبٍ وبكاء وما فيه الحزن والجزع للمصيبة العظمى، ولكنَّ الملفتَ للنظر خلو النصوص من لفظة (الشعائر)، وبالرغم من ذلك نجد بعض فقهاء الإسلام يرون عموم (شعائر الله) بما يستوعب ويشمل إحياء أمر أهل البيت (عليهم السلام).

غير أنَّ بعضًا منهم رفض القول بالعموم، وذهب إلى اقتصار (شعائر الله) على المنصوص، فلا يتعدَّى عنوانها لغيرها، وبالتالي لا شعائر غير مناسك الحج والبدن وما ورد فيه نص.

قد لا يستقرُّ نزاعٌ بين القولين بظهور معان بيانية مدلولة للصيغ الصرفية، وهذا ما لجأت للنظر فيه طلبًا لوضوحٍ أكبر.

أقول..

الشعيرة على وزن (فعيلة) وللتاء دلالة مستقلة عن دلالة الصيغة الصرفية (فعيل).

تأتي (فعيل) بمعنى الفاعلية، كفاعل (الكَرَم) إذ يقال له: (كريم)، وكفاعل (البُخل) إذ يُقال له: (بخيل)، وتأتي بمعنى المفعولية، كـ(المذبوح) يقال له (ذبيح)، والمكروه يقال له (كريه)، كما وتأتي بمعنى المُفاعَل كـ (المجالس) يقال له: (جليس)، وتشترك هذه المعاني في كونها صفة مُشبَّهة تدلُّ على رسوخ المبدأ في النفس، فالصفة المشبَّهة اسم مشتق يدلُّ على صِفَةِ حَدَثٍ ثابت.

وإذا دخلت (التاء) على (فعيل) فقد تكون (تاءَ) تأنيث كما في (كريمة، وبخيلة، وحكيمة، وجليسة، …)، وقد تكون بمعنى المبالغة كما في (بصيرة)، وتأتي بمعنى المُعد لأمر معين، كما يقال لما يُذبح (ذبيحة) أي معد للذبح.

نرجع إلى اللفظة محل النظر، وهي (شعيرة)، وبتفكيكها يكون عندنا (شَعير) و(تاء)، ولكنَّ جمعها على (شعائر) يُقرِّبُها من الأسماء، وبالتالي فالأقرب أن تكون (شعيرة) لا (شعير) و(تاء)، ويكون المعنى حينها (المُعدَّة للإشعار) بعد استبعاد التأنيث والمبالغة، وهو استبعاد معلول لصيغة الجمع.

أذا اتضح ذلك، قلتُ بأنَّ الشعائر الواردة في النص القرآني معلَّقة على فعل غيبي فاعله الله سبحانه وتعالى، فهي سواء قُصِدت من المُكلَّف، أو لا، فذلك لا يضرُّ بكونها شعيرة لله تبارك ذكره؛ حيث إنَّها مُعدَّة إلى أن تكون كذلك، والفاعل للتحقيق هو الله جلَّ في علاه.

أمَّا غير المنصوص عليها بنص صريح، فهي لا تخرج عن عنوان الشعيرية، غير أنَّ التعليق فيها على الفاعل المخلوق المُكلَّف المختار، فإنَّ فعلها بنية صحيحة على الإشعار والإعلام كانت شعيرة، وإلَّا فهي فعل واقع بعنوان غير عنوان (الشعيرة)، مثله مثل البهيمة إذا ماتت متردية أو نطيحة أو لأي سبب غير (الذبح) وفقًا للشريعة السمحاء.

بالبناء على ذلك، فإنَّ إطلاق لفظة (الشعائر) على مطلق ما يتعلَّق بالله ورسوله والأئمة الأطهار (عليهم السلام) إطلاق صحيح، وهو بمعنى المُعدُّ إلى ان يكون مُشعِرًا وعلامةً على الحق، وتُعلَّق فعليةُ ذلك على نية الفاعل وسلامة نفسه وقلبه، وأمَّا الشعائر المنصوصة في كتاب الله العزيز فبالرغم من كونه مُعدَّة للإشعار، إلَّا أنَّها مستغنية -كما هو واضح- عن النظر في الفاعل من حيثُ نيته وسلامة قلبه ونفسه.

وبعبارة أخرى، أقول:

الشعيرةُ المنصوص عليها شعيرةٌ قائِمَةٌ بذاتها وتشخصها، (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ)، في حين أنَّ إحياء أمر أهل البيت (عليهم السلام) فشعيرة بالقوة، وتتوقف المطابقة بالفعلية على إحياء المُحيي، فقد يكون إحياءُ واحِدٍ شعيرةً وفي نفس الوقت يكون إحياءُ آخرٍ ليس بشعيرة.

 

من هنا نفهم عِظمُ المسؤولية التي يتحملها كلُّ من يتقدَّم لإحياء أمر أهل البيت (عليهم السلام)؛ حيثُ إنَّ حاله ينبغي أن يكون على طريق التنزه والتخلص من كلِّ كدورةٍ دنيوية ومطلبٍ تحكمه (الأنا) فردية أو جماعية.

 

السيد محمَّد علي العلوي

5 من ذي الحجَّة 1438 هجرية

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.