الواقع الثقافي، والبرازيلي (نيمار دا سيلفا)

بواسطة Admin
0 تعليق

لم تكن مجتمعاتنا لتستوعب معادلات الاحتراف في الرياضات العالمية، وخصوصًا رياضة كرة القدم، إلَّا في أواخر القرن الميلادي المنصرم عندما برز نجم اللاعب الأرجنتيني دييجو مارادونا، وتحديدًا عند انتقاله في منتصف الثمانينات للعب في صفوف فريق نابولي الإيطالي بعد احترافه في برشلونه الإسباني، وكانت الصفقة بسبعة ملايين دولار أمريكي جعلت المتابعين في حالة من الذهول، فالرقم ليس معتادًا ويصعب تفسيره!!

لاعب كرة قدم يمتلك مهارات عالية جدًّا، ولكن ما معنى أن تدفع الأندية مثل هذه المبالغ لقاء خدماته؟!

سمعنا بعد سنوات عن صفقة تأمين على أرجل مارادونا بخمسة ملايين دولار أمريكي!

توالت بعد ذلك الصفقات، حتَّى وصل الحال إلى أن يدفع نادي باريس سان جيرمان الفرنسي مبلغ 222 مليون يورو لكسر عقد الاحتراف بين نادي برشلونه الإسباني واللاعب البرازيلي نيمار دا سيلفا، وهذا غير المبالغ الأخرى التي أحصتها بعض الصحف الألمانية فوجدتها لا تقل عن 800 مليون يورو!

لا يمكن للعقل أن يُسَلِّم بكون ما يحدث مجرد هوس كروي ومبالغات تنافسية، فالمبالغ المتحركة في مستطيلات كرة القدم تكشف عن صناعة ثقافية قائمة بأدق تفاصيلها، خصوصًا إذا وَسَّعْنَا دائرة المصاديق لتدخل مسابقات كرة السلة وسباقات الخيل ولعبة السنوكر والتنس الأرضي والغولف وما نحوها من ألعاب التي تفوق أموالها ميزانيات دول بكامل أجهزتها!

نجد هذا النوع من الحراك المالي في أسواق السينما والسلاح والمخدرات والمنتجعات الترفيهية ودور الأزياء، وفئة خاصة من القنوات الفضائية.

أتساءل كثيرًا..

هل هناك فعلًا أموالٌ حقيقيَّةٌ بهذا الحجم في مقابل السندات والصكوك والأوراق النقدية، أو أنَّ كلَّ هذه الحركة المالية الضخمة جدًا لا تتجاوز حدَّ الاعتبار والتعارف وفقًا لقوانين تضعها القوى العالمية الكبرى؟ وأمَّا عين الذهب والفضة فهي مجرَّد ادعاءات تحيط بها شبكة معقدة من عناوين الاعتماد والضمان وما شابه؟

لو أنَّنا نُلقي نظرةً موضوعية على العطاءات الفكرية والمعرفية الأصولية الحقيقية، فهل نجد هذا الحراك المالي لدعمها ونشرها في برامج إبداعية تنافسية على مستويات راقية وازنة؟

هذا غير ممكن؛ فالعقل الرصين لا يقبل بالحركة التسارعية الملازِمة ملازمة أكيدةُ لأصل فكرة (الاعتبار المالي) التي لا تلتقي على الإطلاق مع قوانين اللحظة الزمنية.

من أهم قوانين اللحظة قانون استيعاب البين اللحظي (بين اللحظة والأخرى) للجزء الكامل من الفكرة، ويقع الجزء الثاني في البين الثاني، وهكذا، فتخرج النتيجة في مستوى من مستويات نضجها بعد مرورها بلحظات انضاجها، وهذا غير مقبول على الإطلاق في عالم التسارع المعلول لاعتبارية المال في قبال حقيقة مالية ضامرة أشد الضمور.

إنَّ لحركة الإنسان ارتباط وثيق بالثقل المالي، فكلمة (دينارٌ من الذهب، ودرهم من الفِضة) تعني حركة موازية تمامًا لوزن الدينار والفضة، ولذلك لم يكن من ضمن خيارات الإنسان في تلك الأزمنة الحديث بأكثر من الطاقة المالية المعقولة، فهو محكوم بواقعيةٍ ماليةٍ حقيقيةٍ. أمَّا اليوم فمن السهل أن يقول: مليون.. عشرة ملايين.. مئة مليون.. مليار..، وبمجرد إطلاق هذه الكلمة مع اعتبارات عنوانية خاصة، تتحرك شخوصٌ وأعيانٌ كما تحرَّكَ نيمار دا سيلفا في ظرف ثلاثة أيام من الولايات المتحدة الأمريكية إلى الصين والبرتغال وإسبانيا ففرنسا!

صيغت الثقافات العامة وأُحكِمت بها العقليات، وبالتالي فلا مجال اليوم للحديث عن تنظيرٍ أو فِكرٍ إلَّا ادعاءً وزورًا في كِتَابٍ (مسموع)!!

 

السيد محمَّد علي العلوي

11 من ذي القعدة 1438 هجرية

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.