تتداخلني الحيرة؛ فلست أدري كيفَ ومِنْ أين أبدأ!
كلَّما أعطانا الله مفتاحَ فلاحٍ تركناه وذهبنا لما يصنعه البشر.. وكلَّما أرانا طريقًا لصلاح الحال هجرناه واخترنا طُرُقَ الدنيا، وهكذا دأبنا على ضعف الاعتناء بتعاليم السماء، وخصوصًا في القضايا التكوينية التي لا تتعقلها عقول الحسِّ المحدود، مثل دور صلة الرحم في إطالة العمر، فعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، قال: “ما نعلمُ شيئًا يزيد في العمر إلا صلة الرحم، حتَّى أنَّ الرجلَ يكونُ أجَلُهُ ثلاثَ سنين فيكونُ وصُولًا للرحم فيزيد اللهُ في عمره ثلاثين سنة فيجعلها ثلاثًا وثلاثين سنة، ويكون أجَلُهُ ثلاثًا وثلاثين سنة، فيكون قاطِعًا للرحم فيُنقِصُهُ اللهُ ثلاثين سنة ويجعل أجله إلى ثلاث سنين”.
كان مثالًا، والأمثال على ما نحن فيه كثيرةٌ لا أكاد أحصيها، ولكنَّ جنسها يظهر من الموضوع الذي أسعى لإثارته هنا، وقبل ذلك أطرح السؤال التالي:
في أيِّ ليلة ويوم من ليالي وأيام الأسبوع تكثر البرامج الترفيهية المشحونة بالمخالفات الشرعية كالأغاني والموسيقى والحفلات المختلطة وما يرافقها ممَّا لا يرضاه الله تعالى؟
ليلة الجمعة، ويومها!
أترك التعليق لسادتنا (عليهم السلام)..
- قال الإمام الصادق (عليه السلام): “اجتنبوا المعاصي ليلة الجمعة، فإنَّ السيئة والحسنة مضاعفة، ومن ترك معصية الله ليلة الجمعة غفر الله له كلَّما سلف فيه، وقيل له: استَأنِفِ العمل. ومَنْ بارزَ اللهَ ليلة الجمعة بمعصيةٍ، أخذه اللهُ بكلِّ ما عمل في عمره، وضاعف عليه العذاب بهذه المعصية، فإذا كان ليلة الجمعة رفعت حيتانُ البحرِ رؤوسَها ودوابُّ البراري، ثُمَّ نادت بصوت ذلق: ربَّنا لا تعذبنا بذنوب الآدميين”.
- عن فاطمة الزهراء (عليها السلام) قالت: سمعتُ النبي (صلَّى الله عليه وآله) يقول: “إنَّ في الجمعة لساعة لا يوافقها رجلٌ مسلمٌ يسأل الله عزَّ وجلَّ فيها خيرًا إلا أعطاه إياه.
قالتْ: فقلتُ: يا رسول الله، أيَّة ساعة هي؟
قال: إذا تدلى نصف عين الشمس للغروب.
فكانت فاطمة تقول لغلامها: اصعد على الظراب، فإذا رأيت نصف عين الشمس قد تدلى للغروب فاعلمني حتَّى أدعو”.
- عن أبان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنَّ للجمعة حقًّا وحرمةً، فإيَّاك أن تُضيع أو تُقصِّر في شيءٍ من عبادة الله والتقرب إليه بالعمل الصالح وترك المحارم كلِّها، فإنَّ الله يُضاعِفُ فيه الحسنات، ويمحو فيه السيئات، ويرفع فيه الدرجات”.
- عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: قال رسولُ الله (صلَّى الله عليه وآله): “إنَّ يومَ الجُمُعَةِ سَيِّدُ الأيام، يضاعِفُ اللهُ فيه الحسنات، ويمحو فيه السيئات، ويرفعُ فيه الدرجات، ويستجيبُ فيه الدعوات، وتُكشف فيه الكُرُبات، وتُقضى فيه الحوائجُ العظام. وهو يوم المزيد لله فيه عتقًا وطلقاء من النار، ما دعا به أحدٌ من الناس وعرف حقَّه وحرمته إلَّا كان حقًّا لله عزَّ وجَلَّ أن يجعله من عتقائه وطلقائه من النار، فان مات في يومه أو ليلته مات شهيدًا وبُعِثَ آمِنًا، وما اسْتَخَفَّ أحدٌ بحرمته وضَيَّعَ حقَّه إلَّا كان حقًّا على اللهِ عزَّ وجلَّ أن يُصلِيه نارَ جهنَّم إلَّا أن يتوب”.
- عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) -في حديث طويل- قال: “وأمَّا اليوم الذي حملتْ فيه مريم فهو يوم الجُمُعَةِ للزوال، وهو اليوم الذي هبط فيه الروحُ الأمين، وليس للمسلمين عيدٌ كان أولى منه. عظَّمَهُ اللهُ وعظَّمَهُ مُحَمَّدٌ (صلَّى اللهُ عليه وآله)، فأمَرَهُ أن يَجْعَلَه عِيدًا، فهو يوم الجمعة”.
- سُئِلَ الإمامُ أبو جعفر (عليه السلام) عن يوم الجمعة وليلتها، فقال: “ليلتُها ليلةٌ غرَّاء، ويومُها يومٌ زاهِرٌ، وليس على وجه الأرض يومٌ تغربُ فيه الشمسُ أكثر معافى من النار منه، ومن مات يوم الجمعة عارفًا بحقِّ هذا البيت كتب اللهُ له براءةً من النار وبراءةً من عذاب القبر، ومن مات ليلة الجمعة أُعْتِقَ من النار”.
- عن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): “إذا كانت عشيةُ الخميس وليلةُ الجُمُعَة، نزلتْ ملائكةٌ من السماء ومعها أقلام الذهب وصحف الفضة، لا يكتبون عشيَّة الخميس وليلة الجمعة ويوم الجمعة إلى أن تغيب الشمس إلَّا الصلاة على النبي (صلَّى اللهُ عليه وآله وآله)”.
- عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ما من شيءٍ يُعبد اللهُ بِهِ يوم الجُمُعَةِ أحب إلي من الصلاة على محمد وآل محمد”.
- عن أبي جعفر (عليه السلام) أنَّه قال: “إنَّ الله تعالى لينادي كلَّ ليلة جُمُعَةٍ مِن فوق عرشِهِ من أوَّل الليل إلى آخره: ألا عبد مؤمن يدعوني لآخرته ودنياه قبل طلوع الفجر فأُجيبه؟ ألا عبد مؤمن يتوب إليَّ من ذنوبه قبل طلوع الفجر فأتوب عليه؟ ألا عبد مؤمن قد قَتَّرتُ عليه رزقه فيسألني الزيادة في رزقه قبل طلوع الفجر فأزيده وأوسع عليه؟ ألا عبد مؤمن سقيم يسألني أن أشفيه قبل طلوع الفجر عافيه؟ ألا عبد مؤمن محبوس مغموم يسألني أن أطلقه من حبسه قبل طلوع الفجر فأُطلقه من حبسه وأخلي سربه؟ ألا عبد مؤمن مظلوم يسألني أن آخذ له بظلامته قبل طلوع الفجر فأنتصر له وآخذ له بظلامته؟ قال: فما (فلا) يزال ينادي بهذا حتَّى يطلع الفجر”.
يدور في خَلَدي سؤالٌ يُخجِلُني..
كيف أعالج بصيرتي إن غفت باصرتي عن مناجاة الملك القهَّار في ليلةِ جُمُعَةٍ؟!
أيا نفس أفيقي فقد أزِفَ الرحيلُ إلى مقام المكاشفة العظمى..
السيد محمَّد علي العلوي
27 شوَّال 1438 هجرية