يقصُّ الله تعالى على نبيه الأعظم (ص) أحسنَ القَصَص في كتابه، ومن أحسنها قصّة نبيّ الله يوسف مع إخوته، فتنطلق الآيات متحدثةً عمّا رآه يوسف عليه السلام في المنام، في قوله تعالى: (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ)[يوسف/٤]، حيث ينطلق ليبلِّغَ أباه بما رأى، ولكون الرؤيا عظيمةً ولا يخفى ذلك على نبي الله يعقوب عليه السلام، بادر بنهي ابنه يوسف عن أنْ يقصّها على إخوته، خوفًا من أن يُداخل قلوبَهم الحسدُ فيكيدوا لأخيهم كيدا..
مع ذلك يتمكّن الشيطانُ من إخوة نبي الله يوسف عليه السلام، فقد امتلأتْ قلوبُهُم غيرةً وحسدًا لأخويهما -يوسف وأخيه- حيث أنهم يجدونَهما مميزين عند والدهما، فيتحركون باتجاه الإضرار بأخيهم.
أُشير هنا لخطورة الأمراض النّفسية الأخلاقية، حيث نجد أنّها تمكّنت من قلوب إخوة يوسف عليه السلام حتى أنهم فكروا بالتخلص منه، لذلك ينبغي لنا أن نراقبَ أنفسنا ونحاسبها جيدا، وأن لا نتساهل مع أيّ خللٍ نجده فيها، فقد نرتكب جرمًا كبيرًا لا نعلم كيف يكون جزاؤه لخللٍ بسيطٍ في أنفسنا، وتُوضِح الآية التي سنذكرها سعيَهم للتخلّص من أخيهم. قال تعالى: (اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ)[يوسف/٩]، وفيها سعيٌ يصلُ حدَّ القتل، أو أقلَّ منه بما يحقق مفهوم التخلص المراد ولو مؤقتَا، والهدف ما هو؟!
الهدف أنْ يتخلصوا من أخيهم المحبوب لتَصفوا لهم الأجواء، وينالوا ما نالَ من قلب أبيهم، والذي كان يحبُّ يوسف عليه السلام لميّزاتٍ خاصةٍ وكذلك أحبّ أخاه لميّزاتٍ خاصةٍ، لكن باقي الأبناء لم يستطيعوا احتمالَ ذلك، وأخذهم الهوى وحبُّ النفسِ نحو طريقٍ وعرٍ شديد الخطورة، وما أخطر الإقدام على القتل، ومن الضحية يا ترى؟! حتى ولو لم يكن معلومًا حينها لديهم.
يخططون مخططًا متكاملًا للقضاء على أخيهم، ومع أنفسهم يقولون أنّهم سيتوبون بعد ذلك! وما أعجبَ وأغربَ فعلتهم، فهم يعلمون يقينًا بأنّ ما سيُقْدمون عليه أمرٌ سيء وذنبٌ عظيم، لكنّهم لا يتورعون عنه وهم لا يزالون مؤمنين، بدليلِ أنهم سوَّفوا التوبة؛ أيْ أنهم لم يتنازلوا عن إيمانهم، إنّما أطاعوا الشيطان والهوى في هذا الأمر، وكأنّهم يعلمون بأنهم باقون بعد فِعلتهم، أو أن الله تعالى سيقبل توبتهم، ويعودون لإيمانهم، فمن أين حتموا على الله تعالى ذلك؟!
أقول أنّ على الإنسان أن يتورَّع عن الحسد وغيره من الأمراض الباطنية، فعندما ترى نعمةً أنعم الله بها على أحد من الناس، فلا تحسدْه ولا تسعَ لزوالها، كما فعل إخوة يوسف، بل اغبطْه وتمنَ له الخير واطلب من الله تعالى أن يرزقَك مثلها، وعلى طرفٍ آخر إياكَ وتسويف التوبة، فإنك لا تأمنُ عواقب ذلك، خصوصًا عندما ترتكب ذنبا بإرادتك وأنت واعٍ له، فإنك لا تضمنُ أن تبقى لك فُسحة للتوبة والإنابة، فإنَّ الله تعالى لا يُخدع مهما تفنَّن المخلوق في خداعه ومكره.
هذه القصة وغيرها من قَصَصِ القرآن الكريم لا ينبغي أنْ نمرَّ عليها دون أن ننهلَ من عذبها شيئًا، فكم هي العبر التي يمكن أن نستقيها من كلّ قصة، بل من كلّ جزءٍ من القصة..
محمود سهلان
١٦ شعبان ١٤٣٨هـ
١٢ مايو ٢٠١٧م