فلسفة فاديا رتنام

بواسطة Admin
0 تعليق

دمعة

لا شكَّ في أنَّ من أبهى مظاهر الإنسانية في المجتمع البشري احتضان الناس بعضهم لبعض، يتشاركون الهموم ويسعى كلُّ واحد منهم لمساعدة الآخر في تجاوز مشكلاته والتحفيف من أزماته وما تعرض عليه من آلام الحياة وأوجاعها، فالناس كما يقولون في مِصر (لبعضهم).

من الصعب أن يستغني الإنسانُ عن طبيب يعالج أمراضه ويداوي أدواءه، ولكن، نفس هذا الإنسان يحتاج لتعلُّم فلسفة الطبابة الذاتية عندَّما يعزُّ الطبيب ويندرُ المداوي والمعين..

كنتُ منذ زمنٍ أعاني من آلام في العضلة الخارجية للساق عند المشي ولو لمسافات قصيرة، وقد اختلفت تشخيصات الأطباء والخبراء، ولكنَّ أحدًا منهم لم يتمكَّن من إراحة ساقَي!

فكَّرتُ يومًا في زيارة مركز فاديا رتنام للطب البديل، وهو مركز للعلاج الهندي بالزيوت والأعشاب وما شابه، وهذا قد لا يكون جديدًا..

الجديد في الأمر أنَّ طبيب المركز بعد معاينته لي وتشخيصه للحالة وافتراضه لأسبابها، قال لي:

“نحن هنا نعتمد تحفيز الجسم لمعالجة نفسه، وذلك بتهيئة الأجواء المناسبة في العضلات والمفاصل وما نحوها، ولكنَّني أنبِّهك إلى أنَّك سوف تشعر بتعب وحالة من الإجهاد الذي قد يكون شديدًا، وهذا من أهمِّ أجزاء العلاج”.

بدأتُ جلسات التدليك بالزيوت والأعشاب والمياه الحارَّة على مدى عشرة أيَّام متواصلة، وبواقع ساعة لكل يوم، وبعد العشرة أيام، طلب منِّي الطبيب التزام الراحة لأسبوع، ثُمَّ الرجوع للحياة الطبيعية شيئًا فشيئًا..

أنا الآن أمشي لمسافات طويلة جدًّا دون الشعور بأدنى ألم، لا في عضلة الساق ولا في غيرها.. لقد عالج وداوى وطبَّب جسمي نفسه بنفسه..

عندَّما ترتاح نفسٌ على أكفٍّ مُدَّت لراحتها، فإنَّ الروح حينها تشعر بأمان واستقرار، وقد يكون الإنسان في هذه الحالة أكثر استعدادًا للإبداع والتعامل مع الحياة بإيجابية متقدِّمة، ولكنَّ هذه الأكف طالما غابت، فلا تجِدُ الروحُ المتعبة غير الاتِّكاء على نفسها لبدء مشوار عنوانه: أنا المريضُ، ولمرضي أنا الطبيب.

عندَّ هذه النقطة يدخل الإنسانُ امتحانًا من أصعب الامتحانات التي قد يخوض غمارها، وصعوبتها في شدَّة دقَّتها، فتصدِّي النفس لمعالجة روحها أمر ملؤه المخاطر؛ فمن جهة ينظر الإنسان إلى ما هو مقبل عليه كبوابة إمَّا أن تحجبه عن الدنيا أو أن تفتحه عليها، فهو في مقالٍ لا ينتظر بعد مقالًا، وهذا في حدِّ ذاته يشكِّل عليه ضغطًا نفسيًا كبيرًا، ومن جهة أخرى قد يكون فهمه لعنوان مرحلته فهمًا خاطئًا، وبالتالي فإنَّه بدل أن يعالج نفسه، يصيبها بتشوهات سريعة التفاقم، فيعود كتلة من العقد التي غالبًا ما ترتدُّ عليه وعلى محيطه.

إنَّ الاتكاء على النفس حِكمةٌ مقتلها الأنانية، وناحرها سوء التقدير، وقد نفهم ذلك في تأملاتنا لعملية التحفيز التي يقوم بها المُدلِّك في مركز فاديا رتنام، فعضلات الجسم ومفاصله والشرايين والدم والغضاريف والأعصاب، وغيرها من أعضاء الجسم، هي مكونات المجتمع الذي تعيشه الروح والنفس، وفي معالجة الذات فإنَّ كلَّ عضو يتحفَّز مع مراعاة الأعضاء الأخرى، وإلَّا لكان علاجُ العضلة معلولًا لمرض غيرها، وهذا في الواقع لا يُسمَّى علاجًا، بل هو أمر آخر.. يحتاجُ إلى علاج!

حكمةُ الاتِّكاء على النفس..

لا ينبغي أن نُطيل الحزن عندَّما نفقد الطبيب، فقد يكون هو مشغولًا بنفسه ولا يملك القدرة على مداراة غيره.. فلنعذره، ولنتحول بنواظرنا إلى دواخلنا بحثًا الذات، ولكن لا على النحو الذي غيَّب الطبيب عنَّا..

حكمة الاتِّكاء على النفس..

فلنحزن.. لا بأس، ولكن ليس ممَّا يُمدَحُ إظهار حزننا لغيرنا، إلَّا إذا كان هذا الغير بمنزلة النفس، وهذا عزيزٌ نادِرٌ لا تُقرِّبه العقول، وما لم تُقرِّبه القلوب، فليكن الحزن انيسًا نتَّكِئُ عليه في مشاوير مداراتنا لأنفسنا..

حكمةُ الاتِّكاء على النفس..

شمسٌ تخترق الحجب والظلمات، فتجعلك أكثر فهمًا لعالم (البشر).

 

السيد محمد علي العلوي

5 نوفمبر 2016 ميلادية

4 سفر 1438 هجرية

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.