في آية واضحة، قال الله تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)، فأمَّا (إِنَّا) فهي راجعة له سبحانه وتعالى، و(كُلَّ) فمن أدوات العموم التي تفيد الاستغراق والشمول لما خلقه تبارك ذكره.
وبالتالي، فليس من شيء إلَّا وقد خُلق على موازين ثابتة، وأيُّ تطور يطلبه أو يُطلب له، فمن المفترض أن يكون بالقياس وفي حدود تلك الموازين، وتجاوز هذه المعادلة التكوينية يعني الدخول مصداقًا في مخطَّطِ (وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا).
قبل أن أدخل في مسألة القوامة، ومن بعدها أرجع إلى صلب موضوع هذه السلسلة، دعوني أُحَصِّنُ طرحي بذكر الحقيقة التالية:
الرَجُل..
هذا المخلوق البشري القوي ذو العضلات والجلد والصبر على مشاقِّ الحياة..
هذا الآدمي الذي يحمل السلاح ويخوض الحروب ويتحمَّلُّ النوائب تلو النوائب..
يفقدُ الرجلُ إنسانيَّتَه شيئًا فشيئًا ما لم يجد صدرَ امرأةٍ يعود على حنان صفحاته طفلًا صغيرًا يبكي وينام ويبث لعمقه آهاته، فالرجلُ يرجع إلى توازنه عندَّما يجد في الزوجة حضنًا يكشف له عن نواقصه ونقاط ضعفه دون خوف أو وجل، بل هو بذلك يستعيد نضارة الحياة وجمال السعي في مناكبها.
هذا جانب من جوانب حاجة الرجل للمرأة، وإنِّي هنا أقطع قطعًا لا تشوبه ظلال شبهة، بأنَّ القوامة تعود للمرأة على الرجل في مواقف جليلة يتهالك فيها إنسانُه ما لم يجد المرأة الفاهمة لدورها العظيم، ومن هنا قيل: وراء كل رجل عظيم امرأة، وإنِّي أزعم بأنَّ القائل لا يحتاج إلى نسبة العظمة للمرأة كما نسبها للرجل، فالمرأة التي تكون سببًا في عظمة الرجل، فهي غنية عن أن تُمدح بالعظمة.
فمسألة أن تكون القوامة للرجل على المرأة، لا تعني أنَّ المرأة أدون من الرجل، ولكن مقتضى التكوين أن تكون المرأة في أدوار لا تقوم بمهامِّها إلى إذا كانت في جوانب أخرى راجعة إلى الرجل في أمرها.
عندَّما نتأمَّلُ تبعيَّةَ المرأة للرجل في البُعد الاقتصادي (المهر والنفقة)، نجدها تبعيَّة متوازنة مع الحاجة للصفاء الذهني في التربية والرعاية وصناعة الحياة الهانِئَة، وفي تأمُّلِنا لمرجعية الرجل على مستوى القرارات وبعض ما يخصُّ المرأة، نجدها متناغمة مع الحاجة إلى الاستقرار في الرأي والبعد عن اضطراب المواقف الذي يؤثِّر بشكل سلبي على عقلية الإدارة الروحية والعاطفية والنفسية التي من المفترض أن تتميَّز بها المرأة.
لا بُدَّ من الالتفات بنباهة إلى أنَّ المسائل التكوينية والتشريعية، ومنها القيمومة- لا يصحُّ النظر إليها منفردة عن غيرها، فهي في الواقع منظومة متكاملة تُحقِّقُ التوازن المُنتِّج في مجتمع الدنيا لعالم الآخرة.
خرجت المرأة للعمل والكسب، وطالبت بمساواتها مع الرجل في حقوق المعاش.. وأكثر، وجعلت استقلالها عن الرجل واستغناءها عنه في مثل النفقة من الإنجازات الإيجابية والدلالات على أنَّها (لا تقل) عنه في شيء..
وهكذا أخذت تحثُّ الخُطى فاقتحمت مختلف الميادين فأصبحت محامية قانونية ومهندِّسة معمارية ومديرة في الشركات والوزارات.. ووزيرة ونائبة برلمانية، وغير ذلك مما يُعدُّ في مدنية اليوم من الإنجازات النسوية التي تدعو للفخر والاعتزاز، والمزيد من المطالبات بالمساواة المطلقة كما في بعض الدول!
نعم.. حقَّقت المرأة الكثير من الإنجازات في ميادين العمل، ولكن، ولتسمح لي المرأة، إنَّ هذه الإنجازات لن يفتقر لها المجتمع لو لم تتحقَّق على يديك الكريمتين، فهي إنجازات قد حقَّقها الرجل على مدى التاريخ..
ولكنَّ المجتمع يفتقد بالفعل وجودك في مكانك الحيوي الطبيعي الذي أحاله غيابُك مُشَوَّهًا معوقًا مضطرب.
تعتقد الكثير من النساء أنَّ نجاح أولادهنَّ في المدارس وترقيهم في الوظائف نجاحٌ لهن، فالمعيار أصبح هكذا.. شهادات ووظائف وصناعات..
إنَّها المادَّة..
تغفل المرأة، ومعها المجتمع، عن أنَّ النجاح الأكاديمي الذي يحقِّقه الأولاد لأمهات أكاديميات أو عاملات لا يُبرِّرُ ولا يُصحِّحُ ما هن فيه وعليه، وإن بدا الحال مستقِرًّا.
لو أنَّنا نركِّز في التحليل لمجمل قضايانا وإخفاقاتنا الحقوقية والسياسية وما نحوها، فإنَّنا سوف نصل في الغالب إلى أسباب بعيدة عن الجنس القريب للقضيَّة التي نُحلِّلُها، ومن تلك الأسباب المؤثِّرة بشكل كبير الاستقلال غير السوي للمرأة عن الرجل وانخداعها والمجتمع ببعض النجاحات العارضة، وهذا ما يحتاج من القارئ الكريم إلى تعمُّقٍ في تأمُّله وتدبُّرِ عناوينه.
خرجت المرأة فاستقلَّت وتحوَّلت في لا وعيها، ووعيها نِدًّا للرجل، ومن الطبيعي والحال هذه أن ترفض، بل وتتقزَّز من فكرة تعدُّد الزوجات، خصوصًا بعد أن زُرِعت فيها فكرةُ كون التعدُّد يساوي الشهوة الحيوانية، فمن يفكِّر في الزواج الثاني فهو يُفكِّر بشهوته الحيوانية، وهذه فكرة تافهة سوَّقت لها المادة وروَّج لها الابتذال الذي تتبناه.. واشترتها المرأةُ المستعِدَّة بعد قالبها الثقافي الجديد.
أطرح هنا إثارتين للتفكير..
هل الزواج من ثانية كاشف عن عقلية شهوية عندَّ الرجل؟
هل تعيش المرأة اليوم استقرارًا نفسيًّا يليق بها كانثى؟
السيد محمد علي العلوي
28 محرم 1438 هجرية
30 أكتوبر 2016 ميلادية