من أشدِّ البلايا وأصعبها ندمًا، أن يكون سعيُ الإنسان في العلم والتحصيل سعيَ ضياعٍ وضلالٍ..
(الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا).
ليس من عاقل إلَّا ويحث على التعلم والتحصيل؛ فهذا طريق التكامل الذي خُلِق له الإنسان..
غير أنَّ لهذا الطريق آفة عظيمة وأَكَلَة خبيثة، وهي أن يُحصِّلَ المُحَصِّلُ دون الاستناد الحقيقي على معايير واضحة وموازين مُحكَمة يقيس عليها ما يُحَصِّل..
عن زرارة قال:
“كنتُ عند أبي جعفر (عليه السلام)، فقام له رجلٌ من أهل الكوفة يسأله عن قول أمير المؤمنين (عليه السلام): “سلوني عمَّا شئتم، فلا تسألوني عن شئ إلا أنبأتُكم به”.
قال:
إنَّه ليس أحد عنده علم شئٍ إلَّا خرج من عند أمير المؤمنين (عليه السلام)، فليذهب الناس حيث شاؤوا، فوالله ليس الامر إلَّا من ههنا، وأشار بيده إلى بيته”.
وبالتالي، فما لم يكن من عندهم (عليهم السلام) أصلًا أو عودًا فهو ضلال..
وعن أبي مريم قال: قال أبوجعفر (عليه السلام) لسلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة:
“شَرِّقَا وغَرِّبَا، فلا تجِدان عِلمًا صحيحًا إلَّا شيئًا خرج من عندنا أهل البيت”.
هناك افتتان بما يرِد من الشرق والغرب، إلى حدِّ أنَّهم يقيسون حديث أهل البيت (عليهم السلام) عليه، بل ويقيسون آيات القرآن الكريم عليه أيضًا، بحجَّة أنَّ الدين شيءٌ وفهمَ الدينِ شيءٌ آخر!!
هذه كلمة مُضِلَّة؛ ففهم الإسلام متعدد في إطار أدوات الفهم، وهذا أمر مطلوب، وإنَّما تكون الأفهام متباينة في فهم موضوع واحد، إذا افتقرت، أو افتقر بعضُها لأدوات ضبط الفهم، فهي حينها تُشرِّق وتُغرِّب..
علينا أن نقرأ وننفتح على مختلف مدارس الفكر ونتاج العلم، ولكن مع همينة منَّا على ما يقع عليه النظر، ولا هيمنة إلَّا بالاستناد الحقيقي إلى حديث أهل البيت (عليهم السلام) الذي حفظتْه يدُ الغيب كما حفظت الكتاب العزيز، فهما الثقلان الذين أُمِرنا أن نتمسك بهما.
السيد محمَّد علي العلوي
6 من ذي القعدة 1437 هجرية
10 أغسطس 2016 ميلادية