نحن والغرب وشرط الريادة

بواسطة Admin
0 تعليق

لِكُلِّ نتيجَةٍ مُقَدِّمات تُحققها، ومن أهم المقدِّمات، بل هي المقدِّمة الأم، أن يحترمَ الإنسانُ نفسًه ويُقدِّرَها ويثقَ تمامًا بأنَّ تزكيتها والانطلاق بها نحو الأفضل أمرٌ ممكنٌ دائمًا، بل له خُلِق، ولاستطراقه منَّ الله تعالى عليه بالعقل، وإن لم يكن ذا همَّة، فليحذر تقريع نفسه والتقليل من شأنها، وإن أراد ذلك فليكن دقيقًا في قراءة الآخرين وحذرًا في تعظيمهم وإلباسهم ما لا يستحقون.

 تنظر مجتمعاتُنا إلى الغرب نظرةً تقوم على استصغار الذات، فالغرب صح ونحن خطأ!

 في هذه السطور أريد الإشارة إلى بعض القضايا المترتبة على البناء الثقافي السلبي تجاه النفس والإيجابي تجاه الآخر، وهو من إفرازات ما أشرت إليه قبل قليل، ولتكن البداية بالمشهد الأول:

في بريطانيا هناك ضريبة سنوية على (رخصة التلفزيون)، فمن يمتلك جهاز تلفزيون يُلزم بدفع (145,5 جنيهًا إسترلينيًا) سنويًا!

 وتصل نسبة الضرائب البلدية السنوية في بريطانيا إلى 44%، والمصرح أنَّها لقاء الخدمات البلدية المقدَّمة للسكان مثل خدمات الأمن، التعليم، الصحة، النظافة، الطرقات، وغير ذلك، وهذا بشكل سنوي وهناك عقوبات قضائية تصدر بحق المتخلف عن دفعها.

 عندنا في الإسلام يُفرض على المُكلَّف دفع 20% سنويًا مما يزيد عن حاجاته، وإن دفعها سنة فإنَّه الباقي جابر في السنوات التالية، فلا يدفع النسبة المذكورة إلَّا في ما زاد عن المبلغ الذي دُفِع خُمُسه، وتذهب هذه النسبة (الخُمس) في تقسيمات معينة حفظت المؤمنين والتشيع على مدى عصور من الزمن، ويقف على هذه الحقيقة من يكلف نفسه عناء البحث والتدقيق، وأن لا يكتفي بتناثر التهم من هنا وهناك، فهذه الأخيرة من الأدوات التي تُستعمل بقوة لشلِّ هذا المحور الاقتصادي المهم في منظومة الكيان الشيعي.

الغريب أنَّ البعض يبرر ويحترم ويقدر عاليًا الضرائب الباهضة التي يفرضها الغرب على الناس هناك، ولكنَّه وعندما يصل إلى الخُمس تجده وقد انتفخت أوداجه وعلا صوته وأخذ بتوزيع التهم على مسلك (قالوا ويقولون)، وعلى أيَّة حال فإنَّ المقام ليس للخوض في إبراز الدور الريادي لفريضة الخمس في الحفاظ على الشيعة والتشيع، ولكنَّني أقطع قطع يقين لا يداخله شك، بأنَّ هذه الفريضة العظيمة تلعب دورًا رئيسيًا في وجودنا بالأمس واليوم.

 

المشهد الثاني:

 في القانون الأمريكي تتم الإدانة بالخيانة العظمى إذا انضم شخصٌ إلى عدو للولايات المتحدة الأمريكية وثبت عليه ذلك من خلال الاعتراف في محكمة علنية أو شهادة شاهدين من نفس الفعل العلني، وتصل العقوبة في بعض الدول إلى الإعدام، وفي بعض آخر يُكتفى بالسجن المؤبد.

 لو أنَّنا نبحث عن مفهوم (الخيانة العظمى) في أدبيات الإسلام، فإنَّنا نجده تحت عنوان (الرِدَّة)، فالأسلام اعتقادًا وتشريعًا هو بالنظر إلى واقع الحياة الدنيا نظام سياسي، والخيانة العظمى (رِدَّة) على النظام السياسي، وفي الإسلام لها أحكام خاصة بحسب (المرتد) وحاله وقيود أخرى ينظر إليها الحاكم الشرعي قبل الحكم، ولكنَّ الكلام ليس في هذا الجانب، بل هو في استحسان البعض لحكم الخيانة العظمى في الشرق والغرب، ويستقبح حكم (الرِدَّة) في الإسلام!

 

المشهد الثالث:

 في الإسلام يُلزم الحاكم بسد أبواب الذرائع أمام الجريمة بكل أشكالها، فلا يُسمح بوجود فقير إلَّا وأغناه المسلمون من خلال الصدقات وبيت المال، كما وتترك الأراضي لمن يعمرها ويحولها إلى مشروع استثماري بحسب الظرف والحال، ففي الحكم الإسلامي تُفتَح آفاق العيش والرفاه أمام المسلمين وغيرهم، ولا يقتصر ذلك على الاقتصاد والمال فقط، بل يتجاوزه للنفس والمعنويات وغير ذلك، فإذا تحقق السد التام للذرائع أٌقيم ميزان الحدود الشرعية، فتقطع يد السارق ويُجلد الزاني وغير ذلك من عقوبات شديدة تعكس غضب الحق من شخص توفرت له أسباب الحياة الكريمة ولكنَّ نفسه الشقية أبت إلَّا أن تنتهك حرمة المجتمع وأمانه.

 ولكنَّهم في القانون الوضعي شرقًا وغربًا يبنون السجون ويسنون العقوبات لتطبيقها على مرتكب الجُرم دون مراعاة لحقوقه التي ما استوفاه حاكِمٌ قط!

 يستنكر البعضُ قطع يد السارق، ولكنَّه يرى العدل والعدالة في تغليظ العقوبة على السارق الذي سلك به المجتمع مسلك السرقة وما في فلكها من نصب واحتيال.

 إنَّني في هذه المقالة أطلب إثارة الأمر في الأذهان، وأرجو في مقالات قادمة أن أُوَفق للاستطراد في تتبع مفردات هذه الحالة الثقافية المؤسفة التي تعيشها مجتمعاتنا في ارتهانها للغرب وما يُسمى بـ(حضارته)، وحتَّى ذاك الحين، أرجو من ذوي الهمم الانطلاق بمشروع واسع تُصحح فيه المفاهيم على طريق إعادة الثقة بالنفس إعادةَ حقٍّ وصواب.

 

السيد محمَّد علي العلوي

4 شوَّال 1437 هجريَّة

9 يوليو 2016 ميلاديَّة

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.