دعوةٌ

بواسطة Admin
0 تعليق

إنْ لم يكن متواترًا لفظًا، فهو كذلك معنىً، وإلَّا فهو بلا أدنى شكٍّ مما استفاض عن أهل بيت العصمة (عليهم السلام).

عن أبي جعفر (عليه السلام)، كما في (دلائل الإمامة) أنَّه قال: “لو بقيتِ الأرضُ يومًا واحدًا بلا إمام مِنَّا لساخت بأهلها، ولعذَّبهم اللهُ بأشدِّ عذابه، وذلك أنَّ الله جعلنا حُجَّةً في أرضه وأمانًا في الأرض لأهل الأرض، لن يزالوا بأمان من أن تسيخ بهم الأرض ما دمنا بين أظهرهم، فإذا أراد الله أن يهلكهم، ثُمَّ لا يُمهلهم، ولا يُنظرهم، ذهب بنا من بينهم، ثُمَّ يفعل اللهُ تعالى بهم ما يشاء”.

محور الحديث هو تَوَقُّفُ أمان وسلامة الإنسان -خصوصًا- على وجودِ إمامٍ معصومٍ، كما وأنَّ الإمهال من الله العلي القدير راجع أيضًا إلى نفس السبب الذي لو ارتفع لساخت الأرض بأهلها، ولأهلك الله من عليها ولفعل بهم ما يشاء!

فنحن إذن، مدينون تمامًا لهذا الإمام المعصوم الذي يحفظنا من الهلاك ويفيض علينا رحمة الله جلَّ في علاه، ولكنَّ هذا الإمام في عقيدة الشيعة الإمامية هو من الذين آمنوا في قوله تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ)، وهو أيضًا من أولي الأمر في قوله عزَّ وجلَّ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ)، فهو بذلك ذو مقامين، مقام تكويني (لو لاه لساخت الأرض بأهلها)، ومقام تشريعي (أطيعوا)، وكلاهما يفرضان على العقل طلبهما والتعرف على ما يمكن معرفته عنهما، ولو من باب وجوب شكر المنعم.

جاء في مستدرك الوسائل، ما نصُّه:

“ورد من الناحية المقدسة في أيام بقيت من صفر سنة عشر وأربعمائة كتاب إلى الشيخ المفيد طاب ثراه، وذكر مُوصِلُه أنَّه تحمَّلَه من ناحية مُتَّصِلَةٍ بالحجاز:

للشيخ السديد والمولى الرشيد الشيخ المفيد أبي عبد الله محمَّد بن محمَّد بن النعمان أدام الله إعزازه، من مستودع العهد المأخوذ على العباد.

بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد، سلامٌ عليك أيُّها الولي المخلص في الدين، المخصوص فينا باليقين، فإنَّا نحمد إليك اللهَ الذي لا إله إلا هو، ونسأله الصلاة على سيدنا ومولانا ونبينا محمد وآله الطاهرين، ولنعلمك -أدام الله توفيقك لنصرة الحق، وأجزل مثوبثك على نطقك عنا بالصدق- أنَّه قد أُذِنَ لنا في تشريفك بالكتابة، وتكليفك ما تؤدِّيه عنَّا إلى موالينا قِبَلك -أعزَّهم الله تعالى بطاعته، وكفاهم المهم برعايته لهم وحراسته-، فقف -أيدك الله بعونه على أعدائه المارقين من دينه- على ما نذكره، واعمل في تأديته إلى من تسكن إليه بما نرسمه إن شاء الله.

نحن وإن كُنَّا ثاوين بمكانِنا النائي عن مساكن الظالمين، حسب الذي أرانا اللهُ من الصلاح لنا ولشيعتنا المؤمنين في ذلك، ما دامت دولةُ الدنيا للفاسقين، فإنَّا نحيط عِلمًا بأنبائكم، ولا يعزب عنَّا شئٌ من أخباركم، ومعرفتنا بالأذى الذي أصابكم، منذ جنح كثيرٌ منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسِعًا، ونبذوا العهد المأخوذ منهم كأنَّهم لا يعلمون.

وإنَّا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم البلاء واصطلمكم الأعداء، فاتَّقوا الله جلَّ جلاله، وظاهرونا على نبائكم من فتنة قد أناقت عليكم، يهلك فيها من حمَّ أجلُه، ويحمى عنها من أدرك أملَه، وهي أمارة لإدرار حركتها، ومناقشتكم لأمرنا ونهينا، واللهُ مُتِم نوره ولو كره المشركون، فاعتصموا بالتقية من شَبِّ نار الجاهلية، يحششها عصب أموية، ويهول بها فرقة مهدوية، أنا زعيم بنجاة من لم يرو منكم فيها  بمواطن الخفية وسلك في الظعن عنها السبل المرضية”.

إلى أيِّ درجة نحن مطالبون بالتقرب المعرفي من إمام زماننا؟ وإلى أيِّ درجة نحتاجه في تقويم معادلاتنا؟

في هذا المقال، وبالتزامن مع أجواء ذكرى مولد الإمام المهدي بن الحسن (أرواحنا فداه)، فإنَّني أوجه دعوة للعقل الشيعي، بأنَّ يرسم استراتيجية كبرى لإبراز إسلامنا العظيم من خلال مهدي آل محمد (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، وهذا أقل ما يمكن أن يُقدَّم لراعينا والمعتني بنا صاحب الأمر وبقية الله الحجَّة بن الحسن (عليه السلام).

إنَّها دعوة أوجهها للتجار، بأنَّ يساهم كلُّ واحد منهم بمبلغ ألف دينار -مثلًا-، كما وأوجهها لكلِّ مؤمن بأنْ يقدِّم ولو دينارًا واحدًا، فترصد الجوائز وتوضع الميزانيات لمسابقات في كتابة بحوثٍ ومقالاتٍ وقصائد تعتمدُ المنهج العلمي والمادة المعرفية، تحت عنوان (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ).

وإن لم توفق الفكرة لمساهمات جزيلة، فلتتقدم الأقدام لتبدع على هذا الطريف محتسبة أجرها عند الله سبحانه وتعالى (وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).

إنَّنا نعيش اليومَ أكثر المراحل التاريخية مناسبةً لطرح العقيدة الحقَّة وبوسائل مختلفة، ولا ينقصنا إلَّا الإصرار على العلمية في الطرح؛ ففيها جذب للعقول التي إن اجتمعت صنعت، وإن صنعت غيَّرت، و(إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ)

 

السيد محمَّد علي العلوي

21 مايو 2016 ميلادية

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.