تفترق أمَّتي وسبعين

بواسطة Admin
0 تعليق

يتبنى المجتمع فكرة ما.. نظرية ما.. مشروعًا ما.. يُنظِّر إليه ويسعى لتنفيذه، وبطبيعة الحال فإنَّه يفرغ جزءًا من طاقاته لمعالجة ما يطرأ معارضًا لما هو بصدد تنفيذه أو الترويج إليه..

المشكلة إنَّ ردَّه للمعارض قد يكون مقبولًا طالما أن هذا المعارض مساوٍ له.. يعني: نظرية بشرية في قبال نظرية بشرية، وبالرغم من جواز هذه الحالة، إلَّا أنَها في بعض الأحيان، إن لم يكن في الغالب تعتريها نزعات العناد والتعصب للذات وما تحمل من أفكار.. على أيِّة حالة تبقى في إطار الفكرة البشرية قبال فكرة بشرية أخرى..

تطور الأمر.. فالفكرة التي يحملها الإنسان أصبحت أداة يفسر بها النص المعصوم وربَّما ردَّه إن لم يتمكن من تطويعه لمصلحة فكرته.. هذا أمر سيء للغاية أن نُعطِّل النصوص ونجتهد في تضعيفها لبناء ما نعتقده بناءًا في هذه الدنيا..

هذا من جهة..

ومن جهة أخرى هناك من يلتزم النصوص المعصومة التزامًا صنميًّا منفِّرًا، وكأنَّه من وراء النصِّ ربًّا يحكم على هذا ويدين ذاك، ولا يبرأ إلَّا نفسه..

النصوص المعصومة نصوص ذات مضامين عالية ومعاني شامخة، فهي صادرة من جهات نوريَّة قدسيَّة، وتحتاج لتأمل وتدقيق وجمع وتحليل..

النص المعصوم نصٌّ جاء ليقوم عليه بناء المجتمع البشري بتلاوينه وتصانيفه ومدِّه وجزره، ولا يصح أبدًا التعامل معه كألفاظ عادية سيقت لتعزيز ما نحمل من أفكار فتكون لنا ذرائع نسوق بها أنفسنا..

نقف اليوم مع حديث معروف مشهور.. ورد في الكافي لشيخ الكليني وفي الخصال للشيخ الصدوق وفي الأمالي للشيخ المفيد وفي كتاب سليم بن قيس الهلالي وغيرها..

هو حديث افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة..

أنتخبُ من المصادر الكافي للشيخ الكليني..

السند أولًا..

فالسند صحيح أولًا لتصحيح ما صحَّ عن الحسن بن محبوب، وقد صحَّ هذا الحديث عنه، وثانيًا ولوثاقة رجال السند من أبي جعفر العطار إلى أبي خالد الكابلي الوارد في تفسير القمِّي، وقد ذهب أكابرنا، ومنهم السيد الخوئي (قُدِّس سِرُّه) إلى توثيق كل من جاء في أسانيد تفسير القمي ما لم يُعارض بتضعيف، والحديث صحيح عند من يرى صحَّة أحاديث الكتب الأربعة، وعمدتها الكافي الشريف للشيخ الكليني.

هذا من جهة السند..

وأما من جهة المتن..

أولًا:

من يثاب الجنة، ومن يعذب في النار؟

أهل الحق يثابون الجنة وأهل الباطل يعذَّبون في النار.. وهذا على تفصيل أذكر منه مسألة القصور والتقصير والعناد وما نحو ذلك مما يتعلق بالحالة النفسية للإنسان..

الآن: من هم أهل الحق الذين يثابون الجنة؟ ومن هم أهل الباطل الذين يعذبون في النار؟

لا شك ولا شبهة في أن أحدًا ممن يؤمن بالله تعالى واليوم الآخر يرى نفسه باطل العقيدة ويصر على ما هو عليه، إلَّا أن يكون فاسد العقل والنفس معًا، ولذلك فإنَّ كل صاحب عقيدة من المسلمين لن يبقى على عقيدته ما لم يكن على يقين من سلامتها، وإذا كان كذلك اطمأن واستقرت نفسه.

هناك واقع وراء هذه الحالة الطبيعية جدًّا، وهي امتناع اجتماع النقيضين، ولا يمكن أن يكون الحقُّ متعدِّدًا.. نعم، قد يكون حقًّا واحدًا بدرجات متفاوته، وكل درجة تتوقف على مدى الانكشاف لنفس الشخص، فمن يؤمن بولاية أهل البيت (عليهم السلام) ويمتثل أوامرهم وينتهي عما نهوا عنه، فهذا كاف للنجاة، وعلى نفس خطِّ الولاية هناك من يعتقد بالولاية التكوينية لأهل البيت (عليهم السلام)، وهذا ظهور آخر، وثالث يعتقد بكونه العلَّة المتوسطة في الإيجاد، وهذا ظهور ثالث..

هذا لا إشكال فيه، فهي حقيقة واحدة بظهورات متعدِّدة..

ولكن هناك من يؤمن بأحقيَّة زيد في الخلافة، وآخر يعتقد بآحقيَّة عمر، الخلافة مكان واحد، فإما أن نقول بأنه متاح لمن يصل إليه كيفما كان، وإما أن نقول بأنه متاح لمن يصل إليه بالشورى بين أهل الحل والعقد، وإما أن نقول بأنه متاح لمن يُنَصِّبه المعصوم (عليه السلام).

وهل كان الصدر الأول عالمًا بهذه الاحتمالات؟ إذا كانت الخلافة تنصيبًا إلهيًا، فمن حاد عن القانون لا يمكن أن يكون من أهل الحق.. لا يمكن أن يكون سواء مع غيره ممن آمن وامتثل..

هذا على مستوى الواقع وما يقع وراء الحالة الظاهرية..

فمسألة افتراق أهل الحق عن أهل الباطل مسألة طبيعية تكوينية راجعة لمبدأ استحالة اجتماع النقيضين..

الآن..

من هم أهل الحق ومن هم أهل الباطل؟

هنالك أربع نظريات رئيسية..

النظرية الأولى: تقول بأنَّ الحقيقة من حيث انكشافها للإنسان متجزءة، فجزء منها مع فلان وجزء مع تلك الجهة وهكذا، ويبدو من هذه النظرية أنها تذهب إلى ضعف الإنسان عن تحمل الحقيقة كاملة، ولذلك ذهبت إلى أن الدين واحد، ولكن الله تعالى جعله في مظاهر متعدِّدة، فشيء منه في اليهودية وشيء في النصارية وشيء في الإسلام، بل وحتى عبدة الأوثان وغيرهم من أهل الديانات تشتمل عقائدهم على شيء من الحقيقة.

النظرية الثانية: الحقيقة في الدنيا راجعة للإنسان، فهو فهمها في المسيحية، فالمسيحية حق، وآخر فهمها في اليهودية فاليهودية حق.. وهكذا.. ولا يحاسب في الآخرة مادام قد بذل جهدا صادقًا، وإن كانت الحقيقة هناك هي الشي الكذائي.

النظرية الثالثة: الحقيقة أمر نسبي تمامًا، ولا مكان لها وراء هذا الواقع المعاش، فكل قناعة يحملها الإنسان هي حق، وبالتالي لا يمكن مصادرتها ولا يمكن لأحد تخطئة أحد على الإطلاق.

النظرية الرابعة: الحقيقة واحدة، فإما أن تصاب وإلا فلا، ولكن هذه الحقيقة والتزامها لا تمنع من التعايش مع الآخر على المستوى المطلوب في هذه الدنيا.. فالرسول (صلى الله عليه وآله) حقٌّ مطلق، ولكنَّه تعايش مع اليهود ومع النصارى، وأبرم الاتفاقيات والمعاهدات حتى مع المشركين..

عندما يتحدَّث المعصوم (عليه السلام) عن افتراق الأمَّة، فهذا أمر في غاية التوافق مع جملة من الآيات القرآنية الواضحة.. والعصر إن الإنسان لفي خسر.. أكثرهم للحق كارهون.. ثلة من الأولين وقليل من الآخرين..

فالحديث محل البحث جاء بشيء من التفصيل

 

السيد محمد علي العلوي

السبت 28 رجب 1436 هجرية

16 مايو 2015 ميلادية

 

 التسجيل الصوتي والمرئي :

 كلام في حديث: تفترق أمَّتي

السبت ٢٨ رجب ١٤٣٦ هجرية، بعد جماعة الظهرين في مسجد بنت الولوف – قرية عراد

التسجيل الصوتي:

https://soundcloud.com/alghadeer-voice-com/imzxd4ni0tpy

التسجيل المرئي:

http://youtu.be/8T2hNBRz8wU

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.