(إنْ شاءَ اللهُ) و(عورةُ بن العَاصِ)

بواسطة Admin
0 تعليق

مُناقَشَةٌ لِجانِبٍ مِنْ مقالِ الأُسْتَاذة إيمان الحُبَيشي

 

  • مُقَدِّمَةٌ عَامَّةٌ:

عندما نُقَرِّرُ الارتباط الوثيق بين إطلاق الرؤى والأفكار وبين التصحيح والتقدم في المجتمع، فإنَّنا حينها نُقَرِّرُ أمرًا آخرَ وهو مطالبة كلِّ ذي فكرة ورؤية بطرح ما يحمل وتحويل ملكيته إلى العقول بغرض النقد والتصحيح والبلورة، وهذه مرحلة تأسيسية من مراحل التحولات الثقافية والفكرية المُطَّرِدة في المجتمعات، وهي إمَّا إلى تقدم وإلَّا فإلى تردٍّ، وما يُتَخَيَّلُ بينًا هو في الواقع من النوع الثاني؛ إذ أنَّ التوقُّفَ عن التقدم، هو في الواقع تراجع بالقياس إلى حركة الزمن التي من المفترض أن يملأها العاقل بالتصحيحات والتقدم الإيجابي باستمرار.

 وبالبناء على ما مرَّ، فإنَّ المناقشة لفكرةٍ أو أسلوبٍ أو ما شابه، لا ينبغي أن تكون لغير غاية واحدة، هي التصحيح والتكامل بأدوات طلب الصواب.

 

  • مُقَدِّمَةٌ خَاصَّةٌ:

 كتَبَتْ الأستاذة إيمان الحبيشي مقالًا بعنوان: (حَمَلاتُ النصبِ.. ووعاظُ السلاطين)، تناولتْ فيه مظاهر أو أخلاقيات وسلوكيات سلبية (خطيرة) من بعض حملات الحج، وما تركته تلك المظاهر أو الأخلاقيات والسلوكيات من ردَّاتِ فِعل أسفرتْ عن حالةٍ مِنَ الاستياء سادت من وقع عليهم (الظلم).

في تصوري أن من حَقِّ الكاتبة على أصحاب الحملات من جهة، وعلى الحُجَّاج من جهة أخرى، وكذلك من حقِّ أصحاب الحملات والحجَّاج، وأيضًا من حقِّ المجتمع تعريض المقال لمناقشة مبسوطة، الغرض منها تصحيح الأوضاع بمعالجة الخلل أينما كان، وهذا يحتاج إلى صدور واسعة ولين عريكة وسعة أفق مع ابتسامة جادَّة مستمرة.

 في هذه السطور لا أتعرض لمناقشة موضوع المقال، فهذا يحتاج إلى اطِّلاعٍ وتتبع، أفتقر إليهما، ولكنني أردتُ التعرض لجانب من جوانب الأسلوب الدلالي الذي ظهر في عبارات الكاتبة في غير مكان من المقال.

 إنَّ للمكون الدلالي أهمية بالغة، فهو المتكفل بنقل القارئ أو المستمع إلى المعنى المطلوب للكاتب أو المتحدث، ولذلك قيل بحجية الظهور، وتعني حجية الظاهر من المعنى في اللفظ المستعمل، وفي نفس هذا الموضوع يبحث السياق والحال لدخالتهما في نفس الظهور.

 ما لاحظته أنَّ الكاتبة اعتمدتْ أسلوبًا يحتاج –في نظري- إلى مراجعة، وأذكر مسألتين:

 

– مسألة المقابلة:

 وأدخل من خلال المثال التالي:

 قالوا: سَمِعَ أوربي من أحد العرب كلمة (إن شاء الله) رَدًّا على أمر كان يطلبه منه، فقال: أرجو أن لا تكون (إن شاء الله) كلمة تتوارى خلفها للهروب من الوفاء بالعهد.

 يبدو إن كلمة (إن شاء الله) تحولت من دلالتها على المعنى السامي الذي من المفترض أن تنقل السامع إليه، إلى معنى آخر أقرب ما يكون إلى سلوك التهرب والتملص.

 

أقول: في هذا المثال وُضِعَ التزام الأوربي في قبال (إن شاء الله) المسلم، ومقتضى المقابلة خطير كما هو واضح، في حين أن ما ينبغي التركيز عليه هو جعل (إن شاء الله) مقياسًا لمدى التزام القائل، فهي ثابتة وهو المتحرك في إطارها، وبالتالي فالإساءة تلحق له لا بالدال؛ فهو الذي استعمل اللفظ في غير معناه، بل استعمله استعمال المُستَغل!

 ما يؤسف إليه هو أن لفظ (إن شاء الله) أصبح ذا دلالة عند البعض على عدم جِدِّية القائل، والسبب -في نظري- هو إفساح المجال أمام تلك المقابلة الظالمة.

 

قالت الأستاذة إيمان الحبيشي في مقالها المشار إليه: “لم يكن الأغرب هو تعرض الحجاج للنصب والإهمال بل والتلاعب بالأرواح مقابل ربح كان يفكر فيه أصحاب تلك الحملة.. بل وجدتُ الأغرب من ذلك هو إصرار البعض على (غفر) ذنب أصحاب الحملة، وخفض الأصوات المطالبة بمحاسبتهم بل والامتناع تمامًا عن التلويح حتى بتقديم شكوى رسمية ضدهم (حتى لا يتم قطع أرزاقهم)، وهذا البعض متضرر تمامًا ومستاء جدًا مما حصل!!

 كان الحديث عن الصبر على البلاء كعبة يطوف بها البعض حتى تُقبل حجتهم وترتفع لبارئهم.. وكان (النصب والاحتيال واللعب بأرواح الناس) سيئة من الضروري أن تقابل بحسنة!

 أما المعروف الوحيد الذي يجب أن يدفع باتجاهه فهو (الصبر) والمنكر الوحيد الذي وجب دفعه كان (الجدال)!!”

 

ملاحظة مهمة: (مناقشتي لظاهر المكون الدلالي، ولا علاقة للأمر بنية الكاتبة وما تحمل من مقاصد؛ فالواسطة هي اللفظ والمركب، ولا نملك في المقام غيرها).

 ما فهِمتُه هو أن الكاتبة تقابل بين مبدأ (تحصيل الحقوق) وبين مقاصد (العفو والصبر)، وهذه مقابلة خطيرة لا ينبغي تجاوزها، خصوصًا إنَّه ليس من الخافي ما تبعث عليه المنظومة الإسلامية من ممارسة العفو والصبر وما نحوهما من فضائل إلى نهاية الخط.

ولكنَّ الذي يحتاج إلى بيان هنا، هو إن مثل (العفو والصبر) لا يتعارض على الإطلاق مع مبدأ (أخذ الحقوق)، بل وفي مواطن تاريخية متعددة كانا من الأسباب الرئيسية لتحصيل الحقوق.

 

نحن هنا وفي ما يخص موضوع المقال أمام مسلكين:

الأول: أن تتحرك الكاتبة ومن يتفق معها في الرؤية على مشروع مركز لتصحيح ثقافة الآخرين حول فضيلتي (الصبر والعفو)، وبيان اتساقهما تمامًا مع مبدأ (أخذ الحقوق).

وفي حال أن الآخرين لم يقتنعوا بما تحمله الكاتبة ومن يتفق معها، فـ:

 الثاني: أن تتحرك الكاتبة ومن يتفق معها على ما يرون من سبل لتحصيل حقوقهم أو تصحيح الأوضاع حتى لا يقع غيرهم في ما وقعوا فيه، وطالما أنَّ هناك من لا يرى ما يرون، فليس من الصحيح -في نظري- إقحام مسألتي (العفو والصبر) في المقال إلا استطرادًا ومن باب تصحيح المفهوم مع المحافظة التامة على محلِّ قناعات الآخرين الذين لم يقع اختيارهم على ما يوافق الكاتبة ومن يتفق معها.

 وقد نتمكن من اتخاذ موضوع (العفو والصبر) إدانة شديدة للطرف الآخر؛ إذ أنَّ المتعدي الذي يجد الفضائل العالية من الذي يتعدى عليه، من المفترض أن يخجل من نفسه ويتوب عن ذنبه، خصوصًا إذا كان مواليًا شيعيًا مؤمنًا.

 ولكنَّ الذي ظهر من الكاتبة إدانة لأهل العفو والصبر وتحميلهم مسؤولية التمادي في تعديات المتعدين، ولم تتمكن الكاتبة -كما أرى- من معالجة هذا التوجيه عندما قالت: “أعرف تمامًا كيف كانت نوايا هؤلاء بيضاء كقلوبهم النقية”، كما وأن ذكرها لقانون (القصاص) في الإسلام لم يكن في محلِّه؛ فمن يعمل تحت عناوين الصبر والعفو لا يُنكِر (القصاص). فتأمل.

 أرى أن الكاتبة مصرة -كما يظهر- على حصر خيارات الحل في ما تحمل من قناعات.

 

خلاصة الرسالة التي أريد توجيهها:

 كان من الممكن جِدًّا أن تُحدِثَ الكاتبة موجة إيجابية من رد الفعل العام بما يساهم في حل المشكلة، ويكون طريقها في ذلك مكونات دلالية أكثر توازنًا في مخاطبة التوجهات الأخرى التي تشترك معها في المعاناة.

وعلينا في الغالب تجنب الدوال الحاسمة من قبيل: مستحيل.. لا يمكن.. كل.. كافة.. وما نحو ذلك، إلا بالبناء على دراسات واستقراءات مستقيمة صحيحة.

 

– مسألةُ غائية العلاج:

 وهنا مثال تاريخي:

 كان من الممكن أن يقضي أمير المؤمنين (عليه السلام) على رأسٍ من رؤوس الفتنة بضربة سيف حاسمة، ولكنَّ الرأس وهو عمرو بن العاص كشف عن عورته القبيحة فعدل الإمام علي (عليه السلام) عن قتله صيانةً للقيم والفضائل.

 فالراجح -كما هو واضح- تقديم القيمة والفضيلة على حل ورفع ما قد يكون سببًا في معاناة الناس، وهذا مُتَكَرر في سيرة المعصومين (عليهم السلام).

 قد يكون مقال الأستاذة إيمان الحبيشي من المقالات التي لاقت انتشارًا واسعًا بين الناس، ولا يبعُدُ أبدًا أن يكون طريقًا لحل مشكلة طالما عانى منها الناس، وهذا شبيه بسيف أمير المؤمنين (عليه السلام) لو وقع على هامة بن العاص، ولكن التأسيس حينها سوف يكون إلى تجاوز رذيلة الاستقواء على الهارب الناشر في طريقة هروبه لكثير من العناوين المُسقِطة للفضيلة والمروءة، وهذا -كما مرَّ- يعارض ما يريد الثقلان التأسيس له من فضائل وقيم.

 وأما هنا فحل المشكل من المتعدي خوفًا من الفضح ليس حلًّا في الواقع، بل ربما يُولِّدُ ذاك الخوف ردود أفعال أكثر التواء من المقدمات التي أدت إلى معاناة الحجاج من بعض الحملات كما أشارت الكاتبة في مقالها.

 ومن جهة أخرى فإنَّ الانتهاء إلى حلول ظاهرة وبهذا الطريق من (شِبْهِ الفضح) من شأنه أن يؤسسَهُ منهجًا وطريقًا قد يكون أقصر من غيره!

وهذا ما يؤسس الكتاب والعترة لخلافه.

 وما أفهمه من منظومة الثقلين المُقدَّسين ضيق وانحصار التصعيد العِقابي في موارد محددة بدقة وبرعاية خاصة تُجَنِّبُ المجتمع الخطأ في التقديرات ذات البال.

 

الخاتمة:

أتفق تمامًا مع لابُدِّيَةِ إيجاد حلول حقيقية للموضوع الذي تفضلت الأستاذة إيمان الحبيشي بطرحه في مقالها المشار إليه، ولكنني أقترح الوقوف على والانطلاق من مناهج وأساليب تحقق المراعاة الواضحة لمختلف أطراف المعادلة، فإنَّه ليس من الصحيح أن نعالج جانبًا بعلاج يؤسس إلى سلبيات في جوانب أخرى، والمفاضلة مفاضلة نوعية كيفية، لا كمِّية.

 

السيد محمد علي العلوي

23 من ذي الحجة 1435 هجرية

18 أكتوبر 2014 ميلادية

 

http://ertiqabh.blogspot.com/2014/10/blog-post_77.html

 

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.