بين الوقاحة والنقد.. مُحِيطٌ، لا خَيط! (فكرة مضاعفة الانجاب)

بواسطة Admin
0 تعليق

من حقك أن تنتقد، لا، بل من حق المجتمع عليك أن ترفده وغيرك بالنقد الصحيح مقدمة للتعديل ومواصلة البناء.

سمعنا قبل يومين طرحًا لأمين عام جمعية الوفاق الإسلامية يدعو فيه إلى مواجهة موجة التجنيس بمضاعفة الإنجاب، وهذا في الواقع ليس من الأطروحات الجديدة، فقد سبق بها آخرون، ولعل آخر من وجَّه نحو مضاعفة الانجاب كان السيد الخامنئي في بيان أصدره للحكومة الإيرانية في مايو 2014 ميلادية، وقد تكون الظروف والأسباب مختلفة، إلا أن ما أردته هو الإشارة إلى أن دعوة أمين عام الوفاق لم تكن بدعًا من عنده.

وعلى أية حال، فهي دعوة اشعلت مواقع التواصل الاجتماعي فضلًا عن المجالس والديوانيات بنقاشات شرَّقت وغرَّبت حتى وصلنا –كما العادة- إلى انقسامات جديدة خلقت لنا جبهات في قبال أخرى، وهذا ما أريد التوقف عنده في هذه السطور (العارضة)..

قد يعجبك ما صرح به الشيخ علي سلمان، وقد لا يعجبك، ولا مشكلة في ذلك، بل هو الطبيعي على أية حال، ولكن أن يتحول التأييد إلى نسف الآخر، والمعارضة إلى التهكم والسخرية فهذا يظهرنا مجتمعًا تافهًا سخيفًا يصدق علينا قول أمير المؤمنين (عليه السلام): “أخفاء الهام”!

اطرح ما بدا لك من رأي، أيَّدت أو عارضت، ولكن لا ينبغي لك ولا يليق بك الخروج عن حدود الأدب، فكما لك أنْ تتبنى رأيًا معينًا فالآخر مثلك، وربما كان على أدلة أكثر رسوخًا منك، فلِمَ الإصرار على السقوط الأخلاقي بكلمات وتوصيفات لن ترتضاها لنفسك، إلا أن تكون هذه الأخيرة عليك هَيِّنة.

  • مشاهد ونماذج:

الأول:

قال: وإذا أنجبنا، فمن أين نطعمهم، ومن يربيهم؟

إن ما طرحه الشيخ سوف ينتهي بنا إلى مجتمع جاهل فقير.

فقال آخر رادًّا: ولكنَّ الله تعالى يقول: (نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم) مقدِّمًا الأبناء على الآباء، ثم في ثانية (نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) مقدِّمًا الآباء على الأبناء، كما وقد جاء عن بكر بن صالح إنَّه كتب إلى أبي الحسن (عليه السلام):  “أني اجتنبت طلب الولد منذ خمس سنين وذلك إنَّ أهلي (زوجتي) كرهت ذلك وقالت: إنَّه يشتد علي تربيتهم لقلة الشيء. فما ترى؟

فكتب (عليه السلام): اطلب الولد فإنَّ الله عزَّ وجلَّ يرزقهم”

فردَّ الأول: مع كامل احترامي لرأيك، إلا أنني لم أقتنع.

تعليق: شكر الله سعيكما، فما انتهيتما إليه جميل، وعلى من يسمع أو يقرأ أن يختار طريقه في هدوء وسكينة.

الثاني:

قال: طرحٌ جميلٌ من سماحة الشيخ وأتمنى لو يأخذ سبيله نحو التطبيق.

آجاب آخر: لستُ ضدَّ مضاعفة الانجاب، غير أنني لا أرى فيه حَلَّا لمشكلة التجنيس.

(ثم طرح كُلُّ واحد منهما أدلته واستشهاداته بكل أدب ورقي)

تعليق: بارك الله فيكما، وعلى من يسمع أو يقرأ أن يختار طريقه في هدوء وسكينة.

الثالث:

قال: (والله هاده ما عنده سالفه، يبغي يسوي نسوانا دياج مكاين، ما عندهم إلا يبيضون!!! وووش هالتخلف).

فأجابه أحدهم: (والله انت قليل أدب، يا أخي عجبك الموضوع عجبك، ما عجبك طقاق يطقك انت ورايك).

فردَّ عليه: (وانت حقويه احترقت حمصتك؟ وليش انتون ما تتحملون النقد إدا قرب من رموزكم؟)

فردَّ: (هاده نقد يا طايح الحظ؟ هاده يسمونه قلة أدب!)

……………………………………………………….

هنا أتوقف..

قد أناقشُ موضوعًا ما، وقد أبدي رأيًا، وربما لا اناقش أصلًا، فالقضية لا إلزام فيها ولا سيف مسَلَّطٌ على الرقاب، ولكِنَّ القرار إذا كان النقاش وإبداء الرأي، فالإنسانية تلزمني بالأدب والأخلاق واحترام الآخر في حدود أطر ثقافية واسعة، وعندما أزِلُّ بكلمة أو أُسِيءُ بموقف، فعليَّ أن أتراجع وأعزم على عدم العود.

أما أن أُصِرَّ على الخطأ، فهذا (وقاحة)، وأن أُلبِسَ (سقطاتي) ثوب النقد، فهذه (وقاحة) أخرى، وفوق ذلك هي إساءة للناس الذين ينتظرون مني ومن غيري بلورة للأفكار وتصحيحًا للثقافات؛ فالمجتمع في حالة حركة مستمرة، إما نحو البناء وإما نحو الهدم والانحدار، وللكمة الدور الأهم في هذه الحركة الدائبة، ومنها نستظهر المستوى الثقافي والفكري والأدبي للمجتمع.

همسة في الختام ثلاث:

  • لكل كلمة تنطق بها واقع ثقافي متحول في المجتمع، فارحم نفسك والناس، وكن على ثقة تامة بأنَّ يوم السؤال آت لا محالة، فإن لم يكن التاريخ، فالله عزَّ وجلَّ (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ).
  • ليس من العيب أن تكون جاهلًا بموازين الأدب والأخلاق، ولكن العيب أن لا تتعلمها.
  • كن رحيمًا بـ(النقد)، فهو حالة ثقافية علمية راقية متقدمة جِدًّا، فلا تفرض نفسك عليهإ ما لم تكن من أهلها.

 

السيد محمد علي العلوي

22 شوال 1435 هجرية

19 أغسطس 2014 ميلادية

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.