الصُورَةُ وَالمُصَوَّرُ.. فَشَلٌ وَإِقْدَامٌ

بواسطة Admin
0 تعليق

يُسَلِّمُ المسلمون بقدسية القرآن الكريم وتُسْتَّفَز غِيَرِهِم لأي شبهة أو اتهام يوجهه أحدٌ إلى آية من آياته أو حتى حرف من حروفه، وفي المقابل يقدس اليهود توراتهم والمسيح إنجيلهم، ولكنهم أقل غيرة في الدفاع عنهما بالرغم مما يثيره المسلمون من شبهات تنتهي وبحسب القرآن الكريم إلى أن توراة اليهود وإنجيل المسيح ليسا هما توراة وإنجيل السماء، فتحريف الإنسان طال ظاهرهما وباطنهما فيما سَلِمَ القرآنُ من ذلك بقدرة الله تعالى وحكمته، وبالتتبع على خط الموضوع نرى أن غيرة المسلمين على قرآنهم لم تؤثر في موقعهم على مستوى الوجود الحضاري مع الآخرين من يهود ومسيح، بل وحتى بوذيين في الصين واليابان والكوريتين –مثلًا-، كما وأن اهتمام المسلمين بطباعة القرآن الكريم وبذل الأموال الطائلة في تحسين خطه وترتيب صفحاته وتفخيم غلافه لم ينتج للأمة تقدمًا أو حتى تحركًا نحو المقدمة، وأيضًا لا يشهد العالم تغييرًا في موقع الوجود الإسلامي بالرغم من التوجه الواضح للمسلمين نحو إحكام تجويد القرآن وتلاوته تلاوة صحيحة متقنة، هذا ولا ينفك المسلمون ينادون بقدسية كتابهم السماوي وأنه الكتاب الأوحد الحاوي لدقائق الحياة فضلًا عن واضحاتها..!!

ولو زار أحدنا بيت ناصري من الناصريين فإنه في الغالب سوف يجد صورةً كبيرةً لجمال عبد الناصر معلقة على جدار المجلس، وكذلك لو قمنا بزيارة لخميني أو شيرازي أو جيفاري أو ماركسي أو ماشابه، ولكن هذه الزيارة لو كانت لبيت أحد الجمهوريين أو الديموقراطيين في أمريكا فإننا في الغالب لن نرى صورة لأحد زعمائهم إلا نادرًا وبالاتفاق بينهم، وكذلك في باقي الدول المتقدمة علميًا وربما أخلاقيًا أيضًا مثل اليابان، فتعليق الصورة في ثقافتنا لم يعطنا دافعًا للتقدم ومقارعة الآخرين مقاعد الحضارة وقيادة العالم..!!

كما وتكثر في دولنا الإسلامية مجالسُ التأبينات السنوية للعظماء من علماء وزعماء، وفي كل سنة تُذكر مكارم وفضائل وإنجازات الفقيد، وتنظم القصائد وتؤلف الكتب في حقه دراسة وتحليلًا وبحثًا، أما هناك فالاسم مضى مع صاحبه وإن كان هناك ما يناقش فالفكرة نظريًا وتطبيقًا، نعم لمجالس التأبين فائدة جميلة وهي الالتقاء السنوي بين المؤمنين وأصحاب المبادئ، أما على مستوى الحضور الأممي فلا، في حين أن الآخرين لا يؤبنون ولا يؤلفون على لون ما نؤلف، ولكنهم في تقدم مستمر وإنجازات متوالية..!!

هل من مشكلة في تقديس القرآن الكريم والاهتمام بطباعته وإظهاره في أحسن الصور؟

هل من مشكلة في تعليق صور العظماء من علماء وقادة ورموز؟ هل من مشكلة في تأبينهم سنويًا؟

ليست المشكلة في التقديس ولا هي في تعليق الصور ولا في إقامة مجالس التأبين، ولكن المشكلة التي ينبغي لنا دراستها بموضوعية دقيقة جدًا هي إذا كان تقديس القرآن الكريم وتعليق صور القادة والرموز وإقامة مجالس التأبين لنقص نعيشه في شخصيتنا الثقافية وبالتالي وجودنا الحضوري والحضاري، فلو كان الأمر كذلك فهي طامة كبيرة نحتاج إلى معالجتها بجدية وصدق، وإلا فكل هذا البذل منا لا يتعدى كونه حقنة هيروين نلهي بها أنفسنا عن فشلنا في تفعيل المبدأ القرآني أو الفكرة المبدأية أو السيرة الثقافية في حياتنا العملية، وبالتالي فشلنا الذريع في تحقيق الإنجازات على المستوى الحضوري، وهذا الأخير لا ينكره أحد، بل وعلى المستوى الشخصي أرى أن مبالغتنا في الاهتمام صِوَريًا في قضايا التقديس إنما هو ناشئ عن عجزنا في ميدان المواجهات الإنجازية عمومًا، وقد نفهم ونتمكن من استيعاب هذه الحقيقة بأقل تأمل لسيرة المجتمع الإسلامي عندما طبق ومارس الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) القرآن عمليًا، وكيف أن الأمواج الثقافية تعالت قويًا بفعل مصنفات المرجع الديني السيد محمد الشيرازي (قدس سره)، ولا تخفى الحالة الإقدامية التي زرعها التحول الجذري في الواقع الإيراني على يد المرجع الديني السيد الخميني (قدس سره)، ولكن هذه الانجازات فُقِدتْ في حياتنا بالرغم من أننا نهتم بالقرآن طباعة وتجويدًا وترتيلًا، كما ونهتم كذلك بطباعة الصور والتصميمات لشخصيات لمثل السيدين الخميني والشيرازي ناهيك عن مجالس التأبين التي تقام على روحيهما وآخرين في كل سنة، فهل هو إعلان عكسي عن عجزنا في صناعة واقع جديد يخضع له الواقع القديم؟

هل يقرأ الآخرون أصناف إحياءاتنا بهذه العين التي أراها واقعية؟

يبدو أن الأمر هكذا، فهم لا تخيفهم تحركاتنا الإحيائية بل وربما حتى لا تحرك فيهم ساكنًا، والسبب واضح جدًا في أننا نكتفي بالصوت والصورة كمخدر عن الفعل والعمل، ونتاج ذلك إدماننا العيش على الأطلال ومناغاة النفس الطليعية في داخل كل واحد منا بأغاني تنويم الأطفال وتسميرهم في مهود خاوية، والحال أن الإحياء في حد ذاته من المفترض أن يكون عاملَ مُضاعفةٍ للعطاء والتقدم، ولكن هذا مشروط بالتحرك في داخل المضمون والفكرة تحركَ قناعةٍ وتبنٍّ وثقةٍ في القدرة على التقدم والانجاز وتحقيق ما حققه العظماء وما أراد منا القرآن تحقيقه، أما أن يكون الإحياء أداة تسلية كتسلية النساء للثكلى، فهذا لا تتمكن عقولنا من قبوله أبدًا.

ثم أن للاهتمام بتعليق الصور تحديدًا مع البعد عن المضمون دلالات أخرى منها إعلان الضعف عن صناعة شخصية كشخصية صاحب الصورة، وهذا يعني انسدادًا جليًا في باب إنسانية الحركة أصلًا، ومنها إرادة النفخ والتضخيم، فهناك من يرى الكرسي أكبر بكثير من الرمز الذي يتبناه، ولسد عيون الناس عن هذه الحقيقة فهو يقوم بنفخ رمزه مستخدمًا وسائل كثيرة جدًا منها تعليق صوره في كل مكان ونشر مقولاته وما إلى ذلك من فرض قسري له شاء من شاء وأبى من أبى!

إن لهذا الموضوع البحثي دراسات علمية أحيل القارئ الكريم إليها ليقف على خطورة ما نحن فيه من هلاميات لا نكاد نحصر جانبًا منها حتى تتوالد منها جوانب اخرى أشد خطورة وأكثر فتكًا بقواعدنا العلمية التي يقدمها لنا الثقلان ومن سار على نهجيهما من القادة الطليعيين، فنحن في حاجة كبيرة اليوم إلى استيعاب الواقع بواقعية بعيدة عن تسلية النفس ودس الرأس في التراب، والقضية ليست صعبة، فالمطلوب منا الاهتمام بالمضمون والروح تنظيرًا وتطبيقًا، فإن كانت من بعد ذلك مساحة للصورة وما شابه كان بها، وإن لم يكن فترجمة الظاهر يتكفل بها لسانُ الحاضر إذا لهج بانجازاتنا القرآنية العتروية التي لا تحتمل التمييع والتسطيح.

همسة: في فترة من الفترات كان أسمُ أحد المؤلفين الكبار يسبب حساسية مرضية عند البعض بالرغم من أهمية ما يكتب وضرورته لنهضة المجتمع، فقال لي ابن هذا المؤلف: “صوروا أكبر قدر من الكتب أو الكتيبات (بقدر استطاعتكم) مع حذف اسم المؤلف، فالمهم أن يقرأ الناس وليس معرفة اسم الكاتب بأهم من ذلك..” 

 

السيد محمد علي العلوي

18 صفر 1432 هـ   

23 يناير 2011

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.