مظاهر (الانتماء) في: Offshore Technology Conference

بواسطة Admin
0 تعليق

المقدمة الأولى:

“الدلالة هي ما يوجب إدارك شيء بسبب إدراك شيء ملازم له”، هكذا عرفها الشيخ عبد الهادي الفضلي في كتابه المختصر (خلاصة المنطق)، فالدلالة إنما هي الانتقال الذهني العلمي من معلوم للكشف عن مجهول لملازمة بينهما، وهذا في واقعه نشاط عقلي اجتهادي تَنَبَّه له مفكرون فبحثوه بشيء من التفصيل بُغْيَةَ تدوينه وإلفات الناس إليه بعد العناية بقوانينه إبعادًا لهم عن الاشتباهات والشبهات والبناءات على غير الصحيح.

وفي مراحل البحث توصلوا إلى أن (الدلالة) أمر وجودي قائم في كل مفردات هذا الوجود بلا استثناءات، فالكلمة دال والمعنى الذي وضعت له مدلول، والنسبة بينهما هي الدلالة التي يحققها الانتقال الذهني من المعلوم (الكلمة) إلى المجهول (المعنى) فتكشف عنه، وكذلك يدل احمرار الوجه –مثلًا- عند العلم به إلى أن المُحْمَّر وجهه خّجِلٌ أو غّضِبٌ، وأيضًا يُعلم أمرٌ ما في نفسية الإنسان بعد العلم بدخوله في حالة من العصبية أو التوتر..

وهكذا تدور رحى (الدلالة)، ولا يَهْتَّم بشأنها العظيم أولئك الأخفاء الذين يعيشون الخضوع والخنوع لموروثاتهم الثقافية وأحكامها المسبقة؛ إذ أن الاهتمام بها يحتاج إلى تجرد وصدق في الملاحظة استهدافًا لنتائج على نسقها.

المقدمة الثانية:

إذا ما خُلِّي الإنسان ونفسه تمامًا فإنه ينتهي إلى الموت المعنوي بلا أدنى شك؛ حيث إن الضعف الأصيل الذي يعيشه في وجوديه المادي والمعنوي يحتاج فيه دائمًا إلى ما يستند إليه على نحو الانتماء، ولذلك تجده منتميًا –مثلًا- إلى معادلة الأكسجين في الهواء لأنه عاجز عن التنفس خارج إطارها، وبالمثل أيضًا فهو يعيش الانتماء إلى ما يُسْنِدُ مُتحَمَّلاته من أفكار ونظريات وأطروحات، وإلا فهو كالقشة في مهب الريح بلا شخصية ولا معالم.

محل الكلام:

أقيم قبل أيام قليلة وفي هيوستن الأمريكية مؤتمر ومعرض لكبرى شركات النفط والغاز العالمية (Offshore Technology Conference)، ومما لفت انتباهي، طريقة، أو فلتكن واضحة جدًا: السلوك الثقافي النفسي للشركات المشاركة، وهو في الواقع سلوك يحكي الثقافة السلوكية النفسية للشعوب، وأُقَسِّمُ من حيث ما أسميته بـ(الاستناد التعريفي) كالتالي:

1/ الشركات التي تضع أعلام وأسماء دولها صغيرة على منضدة، وكل شركة في زاويتها المحددة في المعرض.

2/ الشركات الإسرائيلية وقد ملأت الأماكن المخصصة لها بأعلام الكيان الإسرائيلي كبيرة وكذلك كلمة (اسرائيل).

3/ الشركات الإماراتية وامتازت بنشرها الملفت لصور رموز (آل مكتوم) و(آل نهيان).

4/ الشركات الأمريكية، ولا صور ولا أعلام ولا أسماء غير اسم الشركة.

أما الثقافة الأمريكية فقائمة على انتماء الفرد لرأس المال، وهذا الأخير إنما يظهر في النتاج العلمي وخصوصًا الصناعي منه في مجالي النفط والغاز، فالكفاية كل الكفاية أن يعرف الآخر اسم الشركة التي تتحدث عنها قوتُها الاقتصادية الوجودية، فهي شركات تفرض نفسها بل وتسيطر على الكثير من شركات النفط في الغرب والشرق، وفي فهمي أن هذه الشركات ليست مضطرة لتعليق صور أوباما أو العلم الأمريكي أو ما شابه، فكله يتغير وتبقى القوة لـ(رأس المال).

وأما الشركات (الإسرائيلية) فقد عكست ثقافة الإسرائيلي الذي لا يتصور نفسه على الإطلاق خارج دائرته العِرْقية القومية والعَقَدِية الإسرائيلية، ولذلك تجده وعلى طول الخط مدافعًا عن (إسرائيل) عقيدةً وعِرقًا وقوميةً، وكل ما يصنعه إنما هو من أجل هذه العناوين ولا غيرها.

وأما الإماراتي فشانه شأن سائر دول الشرق عمومًا والعربية منها على وجه الخصوص، فصور رموز الحكم في كل مكان.. في المطعم.. في مبارة كرة القدم.. في سباق الهجن.. وفي المقهى والمطعم والمستشفى والخياط، وفي هذه الدول اختزال عجيب غريب لعلم الدولة –إذا كان علمًا لها- في الحاكم، هذا والأكثر عجبًا إفناء كل الشعب في شخصية الحكام حزبًا كان أو قبيلة!!

وأما باقي الشركات المشاركة فوضعها في الغالب طبيعي من هذه الجهة..

عندما نتأمل صورة (الانتماء) التي تشكلت في المؤتمر المشار إليه، فإننا نقف على أمر أراه مُهِمًّا، وهو أن الأقوى في مجموعة الدول هي الثقافة الإسرائيلية؛ والسبب أنها قائمة على على أمرين، كل واحد منهما أشد صعوبة من الآخر في بُعد الزوال والانقضاء، فالأول هو العقيدة اليهودية، والثاني هو العِرْق الإسرائيلي، ومجمع الأهمية في أن إضعاف الكيان الإسرائيلي بعيد المنال إن لم يكن من أحد طريقين:

الأول: طريق المواجهة الفكرية العقائدية: وهذا طريق يحتاج إلى علماء حكماء فطناء مفكرين، يتمكنون من إحداث الفارق المطلوب في عمق ثقافة الإسرائيلي.

الثاني: طريق الاستئصال الجذري والتام للوجود الإسرائيلي: وهو طريق متعذر جدًا كما هو واضح.

وتأتي أمريكا في المرتبة الثانية بعد إسرائيل، فالقوة الأمريكية باقية لن تتزحزح إلا بأحد أمرين:

الأول: نسف النظرية الرأسمالية وإحلال أخرى طاردة لها: وهذا ممكن جدًا في حال توفر من يقدر على التفكير خارج الإطار الأمريكي الثقافي، وهذا مُتَعَذِّرٌ أبدًا ما لم تواجه العولمة الأمريكية بعولمة أخرى.

الثاني: قيام قوة رأسمالية تسحب البساط من تحت الأمريكي: وهذا ربما يكون..!!

وبالنسبة لباقي الدول (الطبيعية) إلى حَدٍّ ما، فهي في مأمن (إلى حَدٍّ ما).

تبقى الباقية.. وهي الدول التي لن تقوم لها قائمة إبدًا ما دامت تستند في انتمائها إلى ما هو الأسرع إلى الزوال والانقضاء، فهي لا تنتمي لا إلى حضارة ولا إلى فكر ولا علم ولا إلى عِرق، ولكنها ترفع صوتها قويًّا لتعلن انتماءها إلى (أسماء)، فبالأمس كانت صورة حسني مبارك في وسط استاد القاهرة لكرة القدم، وربما حلت محلها صورة محمد مرسي قبل سقوطها المدوي، وها نحن ننتظر صورة السيسي أو ربما غيرها!!

دول –وللأسف- بالرغم من عمقها الحضاري، إلا أنها لا تعرف أو لا تفهم معنى الانتماء الحضاري..

دول –وللأسف- تمتلك متانة في العقيدة، غير أنها غارقة في تِيهٍ يَأن منه الضياع!!

قَفْلَةُ الموضوع:

ولذلك فإن هذه الشعوب في أنظمتها بقيت وتبقى متعلقة تعلق الذليل بأولئك الأقوياء الذين وعدوهم أن (يحافظوا على وجودهم).

 

السيد محمد علي العلوي

7 رجب 1435 هجرية

7 مايو 2014 ميلادية

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.