كنا ولا زلنا نُدْفَعُ في اتجاه عناوين بعينها، ويتواصل الدفع ومعه الاستجابة حتى يستحكم علينا لون واحد لا نرى غيره ألوانًا، فقد أُشْرِبْنَاه حتى أصبحت المخالفة له شذوذ وربما رِدَّة!
ومع هذا الدفع هناك اختزال لألوان أخرى في أثر واحد، فالأحمر –مثلًا- يعني الدم، ولا يطرح هذا اللون إلا من خلال مدلول الدم الذي حصرت العقول فيه، وعند آخرين تُسدُّ مدلولات نفس اللون الأحمر عن غير الحب والغرام والهيام، فلا يرى المحشورون في ضيق هذا التوجيه غير ما زُرِّقَتْ في أوردتهم من صور.
هذا وللأحمر مدلاولات وربما طبائع غُيِّبتْ قسرًا وتجهيلًا إلى أن بات مدحه بالنسبة للفريق الأول جريمة، وذمُّه للثاني حماقة!! والحال لو أن الإنسان يذهب بنفسه لاستكشاف هذا اللون لوقف على معان متعددة ومدلولات مختلفة يتمكن من أن يعيشها بانفتاح مستفيدًا من كلها دون انحصار في ضيق أحادية الدفع والمدفوع..
لم تكن تجربة واحدة، ولا اثنتان، بل تعددت التجارب التي قادتني لاكتشاف الكثير من النقولات غير التامة أو أحيانًا الكاذبة، فقد قالوا لا تقرأ لفلان، وقالوا لا تسمع لفلان، ولا تجالس جماعة فلان، فهذا كافر وذاك فاسق والثالث زنديق، واستمر الحال كما أرادوا، ربما للثقة فيهم وربما للشهرة التي أحدثها التوارث وربما لغير ذلك، وفي لحظة كان القرار بأن أتتبع الأقوال وأرجع إلى نفس المصادر، وكانت الصدمة!!
نعم، قد يكون فلانٌ كافر مشرك لأطروحة يؤمن بها أو لفكرة يحملها، ولكن الواقع أن تلك الأطروحة أو الفكرة تشكل جانبًا من جوانبه لا كلها، ولذلك عندما قرأت له أو سمعت، وجدت الكثير من الفوائد العالية بل والمصححة للمسار الفكري في ليس بقليل من الأحيان..
وفي مشهد آخر، هناك بعض النقولات لا تكون دقيقة، إما لغفلة أو لاستعجال وربما تعمُّدًّا، والأمثلة على هذا الصنف كثيرة، فتارة يكون المفكر أو الباحث في مقام الإشكال والرد، فينقل عنه الإشكال دون الرد وكأنه هو القائل به، وتارة أخرى يكون النقل صحيحًا تامًا ولكنه يوضع في سياق يصرفه عن معناه تمامًا!
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، ولكنه يتعدى وقد تعدى من البعض بالفعل إلى القرآن الكريم والأحاديث المعصومة عن أهل البيت (عليهم السلام)، فهذا ينتقي من الثقلين ما يناسب توجهاته الثقافية وكأنهما ليسا إلا هو، وذاك المعارض له يمارس نفس التوظيف في الاتجاه المعاكس وبلا تردد، والكل يراى شنيع صنيعه قربة إلى الله تعالى..
إننا وبسبب هذه الثقافة الكئيبة نعيش حالة من الضيق الكريه جدًا، ونجترها بعد توارث فكرتها وكأنها ذاتية في ماهية الإنسان!!
انتمي –أيها المكرم- إلى من تشاء.. قلد من تشاء.. اتبع من تشاء.. ثق بمن تشاء.. ولكن اذهب بنفسك للمعلومة من مصدرها الأصلي واستقي كلها دون انحشارٍ في زاوية ضيقة تضيق ثقافتك وفهمك وإن بدا لك الأمر خلاف ذلك، كما واعلم أن للمفكرين والباحثين وعموم أصحاب الأطوحات جوانب عدة، ومن الإجرام اختزال كل واحد منهم في فكرة واحدة وتعمية العباد عن غيرها مما قد لا تكون لا أنت ولا (…) قد توصل لمثلها دقة ورقيًا..
تعالوا أيها الأفاضل لنؤسس أنفسنا على العقيدة الحقة الثابتة، ثم فلننطلق للإبحار في عقول الآخرين حتى نّفْهَم لا أن نُفَهم بحسب ما يشتهي الآخر، فالعلم جميل والمعرفة تاج والانفتاح على الآخر حياة سمتها النماء.. فلنعتمد على أنفسنا ولنُطَّلِق التبعية طلاقًا بائنًا لا رجعة فيه..
السيد محمد علي العلوي
29 جمادى الآخرة 1435 هجرية
29 إبريل 2014 ميلادية