قال في مقدمته الكبرى: كل من يضحك بلا سبب فهو قليل أدب.
وفي الصغرى قال: (زيد) يضحك بلا سبب.
النتيجة: (زيد) قليل أدب.
ثم في كبرى أخرى قال: كل قليل أدب فهو مفسدة في المجتمع.
ونتيجة القياس الأول تصبح صغرى هنا فيقول: (زيد) قليل أدب.
النتيجة: (زيد) مفسدة في المجتمع.
وبالبناء على كبرى: كل مفسدة يجب أن تُحارب، وبما أن (زيدًا) مفسدةٌ في المجتمع، كانت النتيجة محاربة زيد واجبة..والسبب أنه ضحك بلا سبب.
أما وجدانًا فنحن نرفض هذه النتيجة ولا يمكن أن يكون ضحك (زيد) بلا سبب علة لإعلان الحرب ضده، ولكننا أمام أقيسة منطقية متسلسلة بشكل صحيح والمنطق مع مراعاة قوانينه فهو مُلزم لغاية العصمة من الخطأ، وبالتالي فإن دعوى كون الوجدان يرفض محاربة من يضحك بلا سبب فهذه دعوى يُبطلها المنطق، فلا يكون أمامنا إلا القول بأن المجتمع الذي يرفض محاربة من يضحك بلا سبب مجتمع متخلف لا يرقى إلى أن يكون في مصاف المجتمعات المتحضرة، ولأن المجتمع لن يقبل بما نقول، ولأننا أهل منطق وعقل وحكمة صار من الحق أن نحمي أنفسنا من الاختلاط والتلوث بـ(عوام) لا يؤمنون بوجوب محاربة من يضحك بلا سبب.
في الواقع أن من درس المنطق ومن لم يدرسه فإن الصبغة التي تشرب ألوانها المجتمع هي صبغة الجمود على الصور المنطقية وضعف الاستعداد لاستيعاب روح المنطق وجوهره وحيوته، ولذلك نحن غارقون حد الثمالة في مبارزات الجدل ومعارك الغلبة في أجواء يؤمن فيها كل طرف بـأنه صاحب الحق دون غيره، وبالتالي لإغن هذا الغير باطل يجب أن يُحارب.. والنتيجة أن كل طرف صار حقًا وباطلًا!
فالنرجع إلى كبرى كل من يضحك بلا سبب فهو قليل أدب.
والنطرح التالي:
إذا كان الضحك معلولًا، فهل يمكن لمعلولٍ أن يكونَ بلا علةٍ؟
بالطبع لا، نعم قد يكون السبب لهذا الضحك لا أستسيغه أنا ولكنه مستساغ عندك وبالتالي ينبغي لنا أن نفهم جيدًا بأن المنطقَ ليس مفرمة نضع فيها ما نشاء من لحوم نريد فرمها (بأمواس منطقية)، ولكن المنطق كما أنه يهتم بصور القياس فإنه يفتح آفاقًا على مواده بل وبشكل أكثر دقة وأهمية، فنحن نقول –مثلًا- لمن يضحك لأسبابٍ لا نعتبرها داعية للضحك: ما هي ثقافة هذا الضاحك؟ ماهو مستواه المعرفي؟ ما هي حالته النفسية؟ وضعه الإجتماعي؟ حالته التربوية؟..
هذه كلها مقدمات لا ينبغي لأحد أن يمارس القواعد المنطقية بدونها.
وكذلك الفقه وعلم الحلال والحرام فإن سلامة المجتع ليست في مجرد معرفة مواضيع الحلال والحرام والمستحب والمكروه، ولكنها في عالِم يفهم العلاقة بين الإنسان والأحكام الشرعية.. في عالِمٍ يتمكن من فهم دواعي الإنجذاب او العزوف بين الناس وأحكام السماء.. في عالمٍ يفهم موقع المجتمع والحركة البشرية والإنسانية من الدين.. في عالمٍ يجيد التأليف والتقريب والمزاوجة بين العلوم والمجتمع بمختلف فئاته وشرائحه وطبقاته..
نريد علومًا نفهمُها..نهضمها..نستوعبها جيدًا، ولسنا في حاجة إلى علومٍ تفصل حفاظها عن الناس وتسميهم (عوام).
السيد محمد علي العلوي
27 ربيع الأول 1435 هجرية
29 يناير 2014 ميلادية