اتصل هاتفيًا بصديقه، فقيل له: عفوًا، إنه يصلي.
عاود الاتصال بعد عشر دقائق، فقيل له: أعتذر جدًا، فهو لا يزال في صلاته.
عندما تكرر نفس الأمر بعد نصف ساعة، حَدَّثَ المتصلُ نفسَه قائلًا: عيب عليه أن (يكذب) بهذه الطريقة، (وش هالصلاة اللي مي راضية تخلص)!! و.. (زعل)..
بعد حين، رد صاحبنا الإتصال، وقال لصديقه: أعتذر عزيزي، تفضل..
قال: (أي تفضل يا أخي).. ساعة وأنا أتصل بك، قل أنك لا تريد الحديث معي، قل أي شيء، ولكن لا تتعذر بالصلاة وتعلق ما تعلق على رب العالمين!
في الواقع أن صاحبنا كان يصلي بالفعل، ولكنه موفق لأداء النوافل المندوبة، ولذلك فهو يبذل لنفسه ما يقارب الساعتين كل يوم لأداء الصلوات المفروضة مع نوافلها، ولكن المجتمع أصبح في حال أنه يرفض أو لا أقل لا يستسيغ اهتمام بعض المؤمنين بمثل هذه القُرَبِ، ويتهمهم بالجمود وقلة الوعي بالواقع وحركة العالم وتسارع التقدم..
هذا الكلام وأكثر منه لا يقال لمن يقضي الساعات في المقاهي بلا غاية معتبرة ولا هدف (محترم)، ولا يقال لمن يستهلك القسط الأكبر من يومه في متابعة المباريات وأخبار الكرة وأخواتها، ولا يقال لمن يلهث وراء مجالس الغيبة والنميمة والقذف والبهتان والسب والشتم، ولا يقال لمن لا يسمح (لنفسه) أن تفوت عليه المسلسل اليومي أو أخبار الأفلام أو ما شابه.. هذا الكلام لا يقال إلا لمن يستنقذ من يومه ساعتين للوقوف بين يدي الله تعالى لأداء الفرائض مع النوافل المسنونة (ركعتان قبل فريضة الصبح، وثمان قبل الظهر ومثلها قبل العصر، ثم أربع بعد المغرب واثنتان من جلوس بعد العشاء، وتاجها صلاة الليل المعظمة في الثلث الأخير منه)..
فلندع هذا الضجيج وذاك، ولنركز على استخلاص الكيفية التي تمكن المؤمن من السيطرة على نفسهه وتوجيهها إلى ما يحب الله عز وجل، وهنا أؤكد على ضرورة تخليص الذهن من التفكير في (نهاية) عمل الخير عمومًا والعبادي منه على وجه الخصوص، فأنت عندما تنوي ثمان الظهر وتشرع فيها فإنك ذاهب إلى الله تعالى طواعية من غير أمر منه، وإن لم تُشَرِف نفسك بالنافلة فلا عقاب أبدًا، ولكن أداءك لها أمر عظيم عند الله تعالى..
لا تفكر متى تنتهي منها.. لا تفكر أنها ثمان ثقال.. لا تفكر في أي شغل آخر غير ما أنت فيها..
إنها دقائق لك أنت عند الله سبحانه وتعالى، فهو عز وجل غني لا حاجة له لا بنا ولا بعباداتنا، ولكننا أهل الفقر والحاجة والفاقة إليه تبارك ذكره..
عندما تشرع في النوافل، ابتسم واستشعر انشراح صدرك، فأنت على أبواب النور والحكمة والعلم والمعرفة الحقة.. أتممها ثم اسجد لله تعالى شاكرًا أن وفقك لمثلها، وليكن منك الشوق لغيرها..
كلامي معك وقبله إلى نفسي الجانية، فارحمنا يا الله واشرح صدورنا للإيمان وعليه يا أكرم الأكرمين..
لا أدري كيف أصف هذا الحديث لرسول الله (صلى الله عليه وآله).. حديث عظيم.. جليل.. حديث يرسم لنا طريقًا واضحًا نحو الفلاح في الدنيا والاخرة..
قال (صلى الله عليه وآله): “ما تحبب إلي عبدي بشئ أحب إلي مما افترضته عليه، وإنه ليتحبب إلي بالنافلة حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشى بها.. إذا دعاني أجبته، وإذا سألني أعطيته، وما ترددت في شئ أنا فاعله كترددي في موت مؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته”..
بالنوافل يتحول الإنسان إلى وجود نوري يمشي على وجه الأرض (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ).
طالما دعونا الله تعالى أن ينصرنا وأن يخلصنا من الظالمين ويبدل سوء حالنا بحسن حاله..
طيب..
ماذا قدمنا لأنفسنا عنده تبارك ذكره؟ ما هو رصيدنا؟ مع من صفقاتنا؟
كيف نرجو لأنفسنا الخير ونحن نستكثر عليها ساعتين في كل يوم نقضيها بين فريضة ونافلة؟
السيد محمد علي العلوي
7 ربيع الأول 1435 هجرية
9 يناير 2014 ميلادية