المقدمة الأولى:
إنما العصمة المطلقة في من جعلها الله تعالى لهم (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)، وهم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها الهداة الميامين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، وليست لأحد من بعدهم مهما علا شأنه وعظم مقامه، وهذا مما لا يختلف فيه شيعيان على الإطلاق.
إنه وبالتأسيس على هذه الثابتة فإن الإنسان يبقى عرضة للخطأ والزلل كل بحسبه، فكلما ترقى في تقواه ومعرفته وعلمه وتحرى الصدق والإخلاص في مسيره كلما حظي بتوفيقات الله تعالى وتسديداته، فتضيق مساحات الخطأ وتتسع مساحات السؤدد والهدى، غير أن فرص الخطأ تبقى قائمة، ومثلما هي كذلك في فلان فهي أيضًا في غيره طالما أن المقام دون العصمة.
المقدمة الثانية:
بعد انقضاء عصر النصر، وجريان مشيئة الله تعالى في أن يغيب حجته المعظمة إمامنا القائد المهدي المنتظر (أرواحنا فداه)، فإن الأمر قد آل وبنص المعصوم (عليه السلام) إلى الثلة العارفة بالثقلين الكتاب والعترة من العلماء الفقهاء الذين اصطلح على تسميتهم بمراجع الدين، فهم والحال هذه امتداد اقتضائي للإمامة الكبرى في إمامةٍ دونها تكوينًا ومقامًا.
المقدمة الثالثة:
لا شك ولا شبهة في وجوب أن يُحْتَرَمَ الإنسانُ لإنسانيته أولًا، ولما يحمل من عقائد وقناعات وأفكار ثانيًا، وكلما كان الإنسان قريبًا من إنسانيته فإن واجب احترامه يشتد في قلوب الأسوياء، فكيف إذا كان هذا الإنسان ممن يحملون أمانة الإمامة في الأمة، وهم الفقهاء من مراجع الدين العظيم؟
المقدمة الرابعة:
قد يخطئ مرجع الدين في التقدير أو في الرأي أو التأصيل أو في غير ذلك، وهذا غير ممنوع لا عقلًا ولا نقلًا، إلا أنه لا يستدعي أي نوع من التسقيط لا بالتصريح ولا بالتلميح، ولكن مجال المناقشة العلمية المؤدبة يبقى مفتوحًا دائمًا لما فيه خير الأمة وهداها.
موضوع هذه السطور:
قد أختلفُ حول ظاهرة معينة أراها خاطئة ويراها غيري من الشيعة صحيحة، فإذا كان البناء على صحتها يستند إلى رأي فقيه مرجع واحد، فإن (الإساءة) إلى تلك الظاهرة يكون وبلا أدنى ريب (طعن) في نفس الفقيه المرجع الذي يرى صحتها، وحينها فإن (الإساءة المعاكسة) مُنْتَظَرَةٌ عاجلًا أم آجلًا.
بلى، يبقى باب المناقشة العلمية المؤدبة مفتوحًا دائمًا، وخصوصًا بين العارفين من أصحاب الإطلاع، ولكن الكارثة الكبرى إذا جاءت (الإساءة) ممن نعدهم كبارًا!!
كيف يمكن للشارع المؤمن أن يواجه مثل هذه الثقافات التي يتعاطاها البعض ممن ينتظر منهم الأخذ بيد الأمة نحو رياض التفاهمات والمشتركات؟
القضية سهلة جدًا.. فلنتأمل قليلًا:
عندما أتخذُ فلانًا من الفقهاء مرجعًا دينيًا أو (قائدًا) أو رمزًا، فهذا لا علاقة له برأيك أنت فيه؛ إذ أن القضية راجعة لي والمصادر التي أرتضيها، ناهيك عن ما تمتلكه المرجعيات من قواعد جماهيرية عريضة..
فإذا خطوتَ خطوةَ إساءةٍ إلى (رمزي) الأعم من الفقيه وغير الفقيه، فانتظر مثلها أو ضعفها مني أو من غيري، فأنت في تيار وأنا في تيار، وأنت في جماهيرية وأنا في جماهيرية، وليس أشد انتقامًا من أن يكون النيل من مثلك الأعلى مرجعًا دينيًا أو قائدًا سياسيًا أو غير ذلك..
ما نواجهه اليوم هو أن (الكبار) يذهبون في مثل هذه المزالق من ضرب في (امثالهم) وغالبًا عن طريق غير مباشر، بأن يحكم الأول على (رأي) الآخر (بالخرافة)، ويحكم الثاني على (رأي) الأول (بالجهل)، والواقع أن الأول يقول للثاني (أنت مخرف)، والثاني يقول للأول (أنت جاهل)!!
فبالله عليكم ما الذي تنتظرونه من الناس؟
ومَنْ يُعَلِّمُ اليوم مَنْ؟ أيعلم الكبار الصغار كما هو المعقول، أو أن الآية ينبغي أن تعكس فيكون الصغير معلمًا للكبير؟
وفي نهاية المطاف ترتفع الصيحات بأن (احترموا الفقهاء.. احترموا مراجع الدين..).. أي احترام أيها المؤمن بقى؟
السيد محمد علي العلوي
10 صفر 1435 هجرية
14 ديسمبر 2013 ميلادية