طيب..
عندما يرفضُ الإنسانُ أن يفهم طبيعة مجتمعه البشري، فإلى من تُمَدُّ الأنظار؟
عندما يُصِرُّ بكل وجوده على استيراد ثقافات خاصة بمخلوقات لها عالمها الخاص خلف العقول المدركة، فكيف يُتفاهم معه من أمام العقل؟
يقال له: يا بني آدم، هناك طبيعة (إنسانية) توجه خطابها (للإنسان)، وقد حافظت الكتب السماوية عليها حية دائمًا، فإن لم تستجب أنت لها، فمن يأخذ بجمالها روحًا وزينة؟
في عقيدتي أن القرآن الكريم من أشد المقاتلين إخلاصًا ضد القمع الثقافي والاستبداد الفكري، ولا دخل لي هنا بقمع الحكومات واستبداد الأنظمة، فهذه ما كانت لتكون لو لا أننا وليس في ما بيننا، بل أن القمع والاستبداد أخلاقيتان يمارسهما إنسان اليوم ضد نفسه فردًا وأسرة وعائلة ومجتمعًا صغيرًا وكبيرًا، فقد وصل بنا الحال أن يمنع الإنسان نفسه من التفكير، بل ويعاقبها، وأكثر من ذلك أن يبحث بكل جد وإخلاص وصدق عن نصوص شرعية يتخرفها ليتأول ما يعينه على مواصلة القمع والاستبداد الذاتيين!!
كُلُّ مَنْ يحاول التخلص من عشر معشار القيود المفروضة على عقله فإنه وبالتزامن مع محاولاته (المسكينة) ينبغي له أن يتجهز ويعد العدة لمواجهة أشكال من التهم العجيبة الغريبة، وأقلها ثمنًا في سوق الإبداع القمعي تهمة (الانحراف والضلال)!
هذا نَصٌّ مطلق واضح يقول فيه الله جلَّ في علاه (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ)، ويقول علي أمير المؤمنين (عليه السلام): “فبعث فيهم رسله وواتر إليهم أنبياءه ليستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكروهم منسي نعمته، ويحتجوا عليهم بالتبليغ، ويثيروا لهم دفائن العقول”..
“يثيروا لهم دفائن العقول”.. وسيل هائل من النصوص الداعية إلى إعمال الفكر والتدبر والتكامل الثقافي مع الآخرين وأخذ ما يناسب وترك ما لا يناسب والنظر إلى ما يقال لا إلى من قال.. وغير ذلك مما يميز الإنسان عن غيره من المخلوقات بميزة التطور الثقافي والسير نحو الكمال الذي يريده له الله تعالى..
ولكن.. مصيبتنا العظمى أن الفكرة التي يتبناها أحدنا فهو لا يتعصب إليها فحسب، ولكنه ينغلق في داخلها، ولا يرى غيرها، ولا يمكن أن يسلم بأن للآخرين عقول كما له عقل، فهو عند نفسه الكامل الأكمل وغيره فاسق (أهبل)، وربما لا يظهر أمام الناس عقيدته المخزية، ولكنك لا تخطئ علاماتها، فهي واضحة لا تحتمل المحامل السبعين!!
والمشكلة الأخرى أن من يذهب في تيار الفكرة المغلقة يتعرض إلى ضغطها الرهيب الذي لا يتمكن من الانعتاق منها، وإن فعل فإن أول من يجلد ظهره أولئك الذين كانوا قبل ساعة سنده وعزه!!
وكلمة قبل الأخيرة: أنت يا من تتعلم مختلف العلوم وتتقن ألوان النظريات، فوظيفتك أن توصلها إلى الناس.. كل الناس، فكما فهمت هم يفهمون.. فقط خذ بأيديهم نحو العلم والمعرفة دون قمع ولا استصغار..
هي لا غيرها (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ).
السيد محمد علي العلوي
1 صفر 1435 هجرية
5 ديسمبر 2013 ميلادية