قال: في بعض بلاد الشام كنا نلتقي العسكري الذي لم يصل عمره إلى العشرين ونراه يوبخ الناس وربما مد يده ليصفع رجلًا أو حتى إمرأة!
وبعد دقائق يلتقي نفس هذا العسكري بآخر يتقدم عليه رتبة ولو (بخيط)، فيقوم هذا الأخير بصفع صاحبنا على وجهه وربما بلا سبب، فنفهم أن (الصافعين) هما في الواقع (مصفوعين) ممن يعلوهما رتبة، وهذا الصافع مصفوع أيضًا، وهكذا..
أما الناس ولأنهم يتعرضون للصفع من العسكري ومن المسؤول ومن يشبههما فهم أيضًا يمارسون الصفع في ما بينهم، فالأب يصفع ابنه، والابن يبحث في المدرسة عن الأضعف ليصفعه، والمدرس يصفع تلامذته لتبقى (سلطة) الصفع هي الحاكمة، والمعادلة معادلة تنفيس في تنفيس..
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن (الصفع) مأخوذ على نحو الطريقية للتنفيس، فإما هو وإلا فالسبل متعددة جدًا وكلها تؤدي إلى ما يؤدي إليه (الصفع) في نفس (الصافع)، وهو التفريغ النفسي بعد (الاحتباس) المتورم الذي يسببه (القمع) بشتى أنواعه، ومن تلك السبل سبيل (الفتنة) وإثارتها بين الناس تارة عن قصد وسبق إصرار وترصد، وتارة أخرى (بحسب العادة)!!
ثم أردف قائلًا: القضية إذن مرضٌ نفسي يعانيه مثيرو الفتنة في المجتمع، فهم يجدون أنفسهم في مثل هذه (الإنجازات) بعد تمكن اليأس من ذواتهم وسيطرة فقدان الثقة على وجدانهم، فإنهم في الواقع يبحثون عن (حقنة هيروين) يهربون بها عن الواقع ومواجهته، فكانت الفتنة..!!
وقد طرح حلًّا جميلًا استحسنته جدًا، فقال: لماذا لا يصل المجتمع في وعيه إلى أن يحتضن مرضاه بدل أن يوبخهم ويدخل معهم في صراعات تجتر مثلها؟
لا شك في ضرورة كون المجتمع على قدر كبير من الوعي أولًا ومن تحمل المسؤولية تجاه نفسه ثانيًا حتى يأخذ احتواء مرضاه على محمل الجد، وهذا لا يكفي إن لم يخضع لحكمة بالغة توجهه إلى تغيير المسار مع من يمارس (الفتنة) ممارسة المريد لها القاصد لشرها.
وختامًا، فإنه من المهم جدًا عدم إنكار الأمراض النفسية التي نعانيها في مجتمعاتنا، والأهم من ذلك، الوعي بأن (القمع) الذي نمارسه قد تحول من (قمع) الآخر، إلى (قمع) النفس، فنحن في الواقع نغرق حد الآذان في أساليب وفنون ومهارات (القمع) الذاتي والغيري مما ولد الكثير من الأمراض النفسية المعقدة، وللمعالجة فالخطوة الأولى هي التشخيص الدقيق للمرض، ثم استراحة علاجية هادئة مع تقديم مصلحة المجتمع على النزعات والزاعات الفردية والشخصية.
السيد محمد علي العلوي
20 من المحرم 1435 هجرية
24 نوفمبر 2013 ميلادية