لماذا نؤمن بوجود الله تعالى ووحدانيته؟ ولماذا لا نراه كما نرى أي موجود آخر؟ ولماذا خلقنا؟
لماذا نوالي أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام)، ونقول بعصمتهم، وبولايتهم التكوينية؟
لماذا نؤمن بإمام غائب اسمه المهدي المنتظر؟ ولماذا هو غائب؟ وماهي الضرورة من وجوده غائباً؟
هذه أسئلة من أسئلة وأسئلة.. قد تثير حنق البعض وقد تستثير (غِيَرَ) بعض آخر، وقد يستشيط آخرون.. لماذا؟
لأنهم يصنفونها في خانة الممنوعات على اعتبار أنها (أكبر) من إدراك البشر!! ولو تصدى أحد (المحترمين) للإجابة ففي الغالب إجاباته لا تخرج عن: قال الله وقال الرسول، ومن بعد ذلك البدء بضرب الأمثلة المادية الساذجة التي قد تسكت السائل إلا أنها لا تشبع حاجته للعلم والمعرفة، والنتيجة أن تبقى علامات الاستفهام في القلوب حتى تتراكم مع غيرها فيكون الانفجار في صور شتى منها النفور من الدين أو احتراف النفاق أو –كما هو منتشر اليوم- تسخيف التدين بدعاوى من قبيل الحداثة والعلمنة وما شابه.
إننا في مواجهة مباشرة مع مشكلة أقل ما يقال عنها أنها عميقة وعمقها (أكبر) فعلاً من إدراك كثير من المتصدين الذين احترفوا تكميم الأفواه بأكمام التلبس بالتقوى والورع والخوف من غضب الله تعالى، ليس لشيء إلا لعجزهم عن التوفر على إجابات حقيقية شافيه، هذا والله سبحانه وتعالى يؤكد في غير مكان على ذم المقلدين لآبائهم السائرين على نهج أجدادهم، فقد قال عز وجل: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ)، وواضح بأقل نظر أن الذم أصل في القضية، فيفهم أن الثبات على الإسلام والإيمان لا يمكن أن يتحقق إلا بتعقل هذا الوجود والعيش الحقيقي في البراهين على خالقه وصانعه لتأتي من بعد ذلك الآيات والروايات المعصومة حاضنة لوقائع العقل السليم حامية لها ومسددة في القياس على كبروياتها، أما حشو (الأفواه) بكم هائل من الألفاظ والتخويفات والترهيبات فمنتهاه الإبقاء على أجيال لا تفهم غير الإمعية وسحق الذات تحت أذيال (الكبير) الذي لا يقدر على التفكير غيره، ولا يتمكن من اتخاذ القرارات غيره، ولا يشخص غيره، ولا يحكم ولا يقضي غيره، لذا فإن (الغير) في مفهوم مثل هذه الأجيال هو عين (الصفر) عندما يقابل (الكبير)!!
إنها خيوط متداخلة وعقد معقدة سببها الأهم هو إغلاق مداخل الفكر ومخارجه على هوى القالب القائم خوفاً من فتح فكري قد يكون علة لجر الكرسي من تحت مقاعد البعض، وحتى يسد باب الخوف هذا زُرع في نفوس الناس الرعب من السؤال والرهبة من الدخول في أفق المعرفة والفهم.
كثير من السادة المنظرين والمحلليل للأحداث والوقائع اليومية يسجلون امتعاضهم مما وصل إليه الناس من غفلة وجهل، ولهم الحق في ذلك، ولكن العجيب أنهم وعلى الجهة الأخرى يمارسون مع أتباعهم ومحبيهم نفس الأسباب التي أدت إلى فساد عقول ينتقدون هم فسادها، فعجباً عجباً..
أقول إلى الشباب.. أحبتي، إننا على دين عظيم فيه أدق الإجابات على أكثر الأسئلة تعقيداً، ولكنه يشترط على أتباعه السعي الدائم والدؤوب في طلب العلم وتحصيل مختلف أنواع المعارف حتى تتفح العقول على آفاق الحقائق الحقة التي جاء بها محمد (صلى الله عليه وآله) وجذر لها في العقول نور ممتد من علي وفاطمة والحسن والحسين في التسعة من ولد الحسين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، ومن يقف بين يدي هذه الشوامخ النورية لا ينبغي له أن يخاف من سؤال أو أن ترهبه حقيقة، ولذا فاطرحوا كل أسئلتكم وإشكالاتكم، ولكن ليس في أي مكان وليس على أي أحد، بل ابحثوا بجد عن أولئك الذين يحترمون عقولكم ولا يسخفون مساعيكم ولا يكممون أفواهكم بقضبان التخويف ورماح الترهيب والتهويل.
واعلموا أن العلوم الدينية حلقات متداخلة، فلا يمكن فهم الولاية إلا بفهم النبوة، ولا طريق لفهم النبوة إلا بعد الرسوخ في التوحيد، وكذلك فإن إمامة الولاة من آل محمد (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) مستعصية على من لا يطالع التاريخ، ومطالعة التاريخ عصية على غير الموضوعيين، والموضوعية تُحرمها قوانين الإمعية على الإمعيين.. فتأملوا جيداً يرحمكم الله..
إن من بوادر الإرهاب الفكري ومن علامات نية تكميم الأفواه و(العقول) تصعيب طريق العلم وأنه مقتصر على فئة معينة بشهادة قوله تعالى (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)..!!
لا.. لقد أخطأتم الهدف للمرة المليون، فإن هذه الآية في التخصص والتفرغ، وهذا غير مطلوب من كل الناس كما هو واضح، ولكن قضايا العقيدة والاعتقاد فهي مطلوبة بنفس المستوى الأولي من كل الناس دون فرق، فلا تقصروها على شريحة واحدة بغية الاستئثار البغيض والتفرد الكريه، توقفوا عما أنتم عليه ولا تكونوا مثل أولئك الذين (فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ) بما لا يعلمون ولا يفقهون إلا ما لقنوا به من أسلافهم الذين أعاروا أدمغتهم لغيرهم فكانوا صدىً وكنتم لهم صدى..
إن ما نعيشه من تفريغ للدين وخصوصاً السيرة الرسالية الصريحة لأئمة الحق (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) إنما هو نتاج هذا الجمود على الموروث مع إصرار واضح على رفض الاقتراب من فكرة إعادة الروح فيه، وأقصد بالروح روح المواجهة مع الباطل، فهذا الجبن الذي أصبح مع مرور سنوات الجمود جبناً مبرراً (شرعاً) هو الذي يقف وراء نظرية الجمود الآخذة في إغراق الناس وسحقهم تحت أقدام التخلف والخنوع.
صريحة أقولها..
نحن أبناء الولاية، والولاية فكر وعقل وعمل ورسالية لا تتوقف عن العطاء، وأصل العطاء الأصيل هو الوقوف مع الحق والانتصار له ونشره والدفاع عنه، ورفض الباطل بكل صوره وأشكاله، ولا سبيل لشيء من ذلك إلا طريق العلم والمعرفة والانفتاح على مختلف الثقافات والمشارب حتى يكون الرسوخ على الحق رسوخاً علمياً يدعم العقل والقلب فيكون هو المقوم للثبات على الجادة مهما تعاظمت أمواج الفتن المضلة.
ديننا عظيم أيها (الناس)، فلا تقزموه..
السيد محمد علي العلوي
27 من ذي القعدة 1431هـ
4 نوفمبر 2010 م