ولا زال التحكيم قائمًا.. من صفين وإلى اليوم! (1)

بواسطة Admin
0 تعليق

siffin

أيًّا كان، فأجواء (التحكيم) سادت في صفين وارتبط فيها عنوان (التحكيم) بعنوان (الصلح)، فالرسالة التي وصلت إلى أبي موسى الأشعري كانت: “إن الناس قد اصطلحوا”، وهذه كانت قبل التحكيم بل قبل أن يعلم باختياره طرفًا في قبال عمرو بن العاص..

تم الأمر، وطوى (الرأي العام) مرحلة من أهم مراحل التكون الثقافي في المجتمع الإسلامي، وهذا ما يظهر بوضوح شديد من خطبة أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد التحكيم:

“الْحَمْدُ للهِ، وَإنْ أَتَى الدَّهْرُ بِالْخَطْبِ الْفَادِحِ، وَالْحَدَثِ الْجَلِيلِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاّ اللهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، لَيْسَ مَعَهُ إِلهٌ غَيْرُهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ .

أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ مَعْصِيَةَ النَّاصِحِ الشَّفِيقِ الْعَالِمِ الْمجَرِّبِ تُورِثُ الْحَسْرَةَ، وَتُعْقِبُ النَّدَامَةَ، وَقَدْ كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ في هذِهِ الْحُكُومَةِ أَمْرِي، وَنَخَلْتُ لَكُمْ مَخزُونَ رَأْيِي، لَوْ كَانَ يُطَاعُ لِقَصِيرٍ أَمْرٌ! فَأَبَيْتُمْ عَلَيَّ إِبَاءَ الْمُخَالِفِينَ الْجُفَاةِ، وَالْمُنَابِذِينَ الْعُصَاةِ، حَتَّى ارْتَابَ النَّاصِحُ بِنُصْحِهِ، وَضَنَّ الزَّنْدُ بِقَدْحِهِ، فَكُنْتُ وَإِيَّاكُمْ كَمَا قَالَ أَخُو هَوَازِنَ :

أَمَرْتُكُمُ أَمْري بِمُنْعَرَجِ اللِّوَى  **  فَلَمْ تَسْتَبِينُوا النُّصْحَ إِلاَّ ضُحَى الْغَدِ

ألا إنّ هذين الرجلين ـ عمرو بن العاص وأبا موسى الأشعري ـ اللذين اخترتموهما حكمين، قد نبذا حكم القرآن وراء ظهورهما، وأحييا ما أمات القرآن، وأماتا ما أحيى القرآن، واتبع كل واحد منهما هواه بغير هدى من الله، فحكما بغير حجّة بيّنة، ولا سنّة ماضية، واختلفا في حكمهما، وكلاهما لم يرشد، فبرئ الله منهما ورسوله وصالح المؤمنين، واستعدّوا وتأهبوا للمسير إلى الشام”.

ليس السؤال (لماذا؟)، ولكنه (كيف؟).. كيف لمن كان مع علي (عليه السلام) أن يقبل بالتحكيم الذي عارضه علي (عليه السلام)؟ وكيف له أن يختار أبا موسى الأشعري في قبال الداهية عمرو بن العاص؟

فلنتأمل جيدًا مقولة الأحنف إلى أمير المؤمنين (عليه السلام): “يا أمير المؤمنين، إنك قد رميتَ بحجر الأرض وبمن حارب الله ورسوله أنفَ الإسلام، وإني قد عجمتُ هذا الرجل وحلبتُ أشطره فوجدته كليل الشفرة قريب القعر، وإنه لايصح لهؤلاء القوم إلا رجل يدنو منهم حتى يصير في أكفهم، ويبعد حتى يصير بمنزلة النجم منهم، فإن أبيتَ أن تجعلني حكماً فاجعلني ثانيًا أو ثالثًا، فإنه لن يعقد عقدة إلا حللتها ولن يحل عقدة أعقدها إلا عقدت لك أخرى أحكم منها”

فأبى الناس إلا أبا موسى والرضى بالكتاب، فقال الأحنف: “فإن أبيتم إلا أبا موسى فأدفئوا ظهره بالرجال”.

كيف كان من مع علي (عليه السلام) ينظر إليه؟ على أي أساس وبأي اعتبار؟


إننا نتحدث عن جو عام قاده رجال يقيمون الليل ويصومون النهار وربما ما خلت جبهة فيهم من ثفنات الساجدين.. نتحدث عن حفظة للقرآن، حملة لحديث رسول الله (صلى الله عليه وآله)..

كما وأن في الحديث علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، ويكفي من كان معه ما سمعه أو ما نقل إليه من قول لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فيه، فهل علي (عليه السلام) نكرة فيحتاج إلى مُعَرِّف؟

بالرغم من وجود قامة مثل قامة علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وبالرغم من وجود قامات مثل الحسن والحسين والعباس (عليهم السلام)، إلا أن (الجو العام) غلب وحكم فكان المعارض له في نظر الناس (كافرًا) حتى اتهم بها علي بن أبي طالب (عليه السلام)!!

الآن.. أوليس الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) قد قال: “إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا بعدي ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإن اللطيف الخبير قد عهد إلي أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض كهاتين – وجمع بين مسبحتيه – ولا أقول كهاتين – وجمع بين المسبحة والوسطى – فتسبق إحداهما الأخرى ، فتمسكوا بهما لا تزلوا ولا تضلوا ولا تقدموهم فتضلوا”.

ما حدث في صفين أن القوم تقدموا الثقلين فضلوا، وتقدمهما بإعمال الرأي ثم تجييرهما لصالحه، ثم أنهم (تحصنوا) خلف الرأي العام وأجوائه الضاغطة حتى حذفت كلمة (أمير المؤمنين) الخاصة بعلي بن أبي طالب (عليه السلام) من نص وثيقة التحكيم!! ومن قاد حركة (الإنقاذ) هم أولئك الذين يقيمون الليل ويصومون النهار ويحفظون القرآن والحديث.. كانوا أصحاب (حل وعقد).. فلنتأمل جيدًا، وقد كانوا (مع) علي (عليه السلام) وفي جيشه!

لمن الغلبة اليوم؟

الغلبة اليوم لمن يتمكن من التحشيد.. لمن ينجح في (شعللة) شعاراته.. لمن يتجاوز الآخرين في فنون التصميم وهندسة الإعلام، وكلها من أجل خلق جو عام ضاغط يمنع بل ويرعب من ملاحظة الخطأ، ولذلك أصبح القرآن الكريم وسيرة المعصومين في خدمة الجميع بما فيهم المتباينين، فهذا يشرعن وذاك مثله، وكل منهم يملك (حجته الشرعية) ليس لمخالفة الآخر، بل وحتى لقتله وتكفيره وتسقيطه وإخراجه من الملة والعقل والعرف..

هناك ما نحتاج فيه إلى قرار (التجاوز)، وهو موضوع الحلقة الثانية –إن شاء الله تعالى-

 

السيد محمد علي العلوي

غرة ذي الحجة 1434 هجرية

7 أكتوبر 2013 ميلادية

 

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.