ينقل عن كارل ماركس أنه قال (الدين أفيون الشعوب)، ووجه الشبه في نظره أن الدين يحصر الإنسان في دار العبادة ويبعده عن الواقع وصناعته، وهذا هو ما يصنعه الأفيون في متعاطيه، إذ أنه يبعده عن الواقع وصناعة الحدث ويزويه في غرفة مظلمة يلاحق فيها حقنة الأفيون وثمنها، فالمُشْتَرَك بحسب ما يراه القائل هو البعد عن الواقع وفن صناعته.
ما الذي صنعه الآخرون ممن قادوا المجتمعات في حراكاتها؟
وقبل الإجابة، سؤال: كم كان عدد المجتمعين في سقيفة بني ساعدة؟ وكم كان عدد نفوس المسلمين؟
عندما تمت البيعة في السقيفة سارع مهندسو البيعة إلى السيطرة على المجتمع المدني من خلال (صناعة) ثقافة جديدة اعتمدت ربط الخليفة (الذي بويع في السقيفة) بالله سبحانه وتعالى، وكذلك صنع من جاء بعد السقيفة شخصًا كان أو جماعة أو قبيلة فدولة.. لقد (صنعوا) ثقافة عَبَّدَتْ أمامهم الطريق لإحكام سيطرتهم على المجتمعات بل والأمم، وهذا ما كان عليه قادة العالم منذ القدم، ولعل من أكثر (الصُنَّاع) نجاحًا قادة النظرية (الشيوعية) من كارل ماركس مرورًا بباقي فلاسفة النظرية الشيوعية وصولًا إلى المجتمعات في مختلف بقاع العالم، فاليوم لا وجود للدولة الشيوعية بشكل رسمي (الاتحاد السوفيتي) إلا أن (الثقافة) الشيوعية متغلغلة بشكل أسطوري في مختلف الثقافات الدينية وغير الدينية حتى أصبحت نظرياتُها مبانيَ يقاس عليها وينظر من خلالها في فهم النصوص الدينية.. ومن حيث لا يعلم العَالَمُون!!
هل من أمثلة؟
الجواب: لا، فطرح الأمثلة سوف يصرف عن موضوع المقال إلى غيره حتى يتلاشى الأصل في وسط الجدل، ولذلك أحيل القارئ الكريم لمراجعة هادئة لا أكثر.
إذا لم نحول القرآن الكريم والسيرة المباركة للعترة الطاهرة إلى ثقافة نعيشها ونقدمها للمجتمع بمعطياتها ومقدماتها وأدلتها، ونكتفي بالدين في داخل دائرة الذات فنحن حينها (متأفينون) نقاتل من أجل (رسم) الدين، لا أكثر.
فلندقق قليلًا..
ما هي النسبة التقريبية لتفاعلنا مع الثقافات الواردة علينا والغريبة عن أصولنا بل والمعارضة لها؟
دعوني أقولها (والباقي على الله)..
النسبة لا تقل عن (95%).
(مو عاجبنك؟)
(تعال عجل خلنا نقابل بعض بالبحراني..
في دمتك.. فيابك ونومتك والافلام اللي تطالعها وطريقة أكلك وقعدتك ولهجتك من وين جايبنها؟
لا يكون بتقول لي (الثقلين)؟ بقول لك استريح رحم الله والديك وبلا وجع راس.
مو الفياب والأكل والنوم.. لا لا.. تعال خلنا نشوف طرقنا في التفكير وش رنكَتها؟ أزيد لو أسكت؟)
نعم، هم مارسوا (صناعة) الثقافة بما جعلها سيالة لطيفة جدًا بحيث أنها تخترقنا من كل صوب ولا نتمكن من (سؤالها) فضلًا) عن مقاومتها، وإن (تدين) أحدنا التزم مسجده ومسبحته ثم (تأفين) محققًا قول ماركس، وإن أراد العمل في المجتمع فإنه يحافظ على سجادة صلاته وربما أقام الليل أيضًا، ولكنه في عمله التربوي أو الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي يبرهن بما لا يدع مجالًا للشك على أن (الدين أفيون الشعوب)، فهو يستعين ويؤسس على مختلف النظريات ما عدا الإسلامية!! لماذا؟ لأنها –وبثقة تامة يقول-: لا تناسب المجتمع!! وإن أراد تخفيفها، قال: المجتمع لا يناسبها.
أما أن يفكر في صناعة ثقافة جديدة يظهر الإسلام من خلالها، فهو أبعد ما يكون من ذلك.
إننا اليوم شعوب متغيرة (تابعة)، ولا نتمكن من التغيير (المستقل)، والسبب أننا لسنا (صنَّاع) ثقافة.
والأدهى من كل الذي مر ما أصابنا اليوم من (تأفين) جديد بلباس جديد.. إنه (أفيون) حرية الرأي والتعبير، فبعد أن تم فقدان الثقة في (الإسلام) وبدأ الناس في التحول إلى ما تريده القيادة العالمية وهو الإيمان بالديموقراطية وأن يحكم الشعب نفسه جاء الدور على تحويل هذا الإيمان إلى دين جديد يواصل (الأفينة) بعد أن تحقق التخلص من (الأديان)..
فلتتحول حرية الرأي إلى صراعات، ولتكن الديموقراطية سهامًا ذات ثلاث شعب، وليقتل الناس بعضهم البعض باسم الديموقراطية وحرية الرأي والتعبير حتى يصل بهم الحال إلى مرحلة الإنهاك والتعب، لِيُرْبَطُوا بعد ذلك في (الساقية) العظمى للشيطان الأكبر، وحينها لن يكون أمامهم غير الإيمان التام بأنهم خُلِقُوا لها، وشرفهم فيها، والدماء رخيصة دفاعًا من (المربوط) في (الساقية) عن (رباطه) و(الساقية).. و(عاش عاش) من جاء (مباركًا) ليجلس على الكرسي بفضل (نضال) وليس (جهاد) الكلمة وحرية الرأي والتعبير..
وشكرًا.. فليذهب كل واحد منا إلى عمله..
(يا الله).. باي باي.
السيد محمد علي العلوي
29 من ذي القعدة 1434 هجرية
5 أكتوبر 2013 ميلادية