شاع، أو أشيع بين المسلمين لقب (سلطان الله) يتقلده الخليفة الأموي وعلى رأسه قول الله تعالى (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وعلى نسق هذه الثقافة قال معاوية بن أبي سفيان: “الأرض لله، وأنا خليفة الله، فما أخذت فلي، وما تركته للناس فبفضل مني”.
وقبل الأمويين ومعاوية كان أبو بكر بن أبي قحافة قد لبس خاتم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمر أن يحمل بعد موته على السرير الذي حمل عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهكذا فعل عمر بن الخطاب، ثم أنهما دفنا في حجرته، ولم تكن الكتب تصدر عنهما إلا مختومة بختمه (صلى الله عليه وآله)، وكل هذا جاء بعد السقيفة مباشرة، أي بعد أن أمضي الأمر لأبي بكر في الوقت الذي كان فيه علي (عليه السلام) يعالج جنازة رسول الله (صلى الله عليه وآله)!!
وطالما كرر طاغوت العراق صدام التكريتي انتسابه للشجرة الهاشمية، ولم يبقي قذافي ليبيا لقبًا لم يضفه إلى مفردة (ليبيا) حتى أصبحت (الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الإشتراكية العظمى)..
الفطرة الإنسانية السوية بعَّاثة على الصدق والإخلاص والأمانة والرحمة والتسامح والعدل والإنصاف، وكل من يخالفها فإنه يُظلِمُ مَسَاحَةً من مساحات وجوده الإنساني، فيدخل مباشرة في تيه التخبط، وحينها يلجأ إلى الإختباء، ومن أكثر الأساليب ممارسة الإختباء وراء الألقاب والشعارات والإيهام بالإنجازات، وادعاء الانتساب العرقي أو المعنوي للأشراف والعظماء من الناس.
أما القوي فلا يحتاج لغير اسمه (مجردًا) ولا يشعر بأي نقص أو ما شابه عندما لا (يفسح) له في المجالس، كما وأن (تقبيل) غير (خده) لا يمثل له أي شيء، فهو قوي بما يملك من ثقافة سوية وفكر مستقيم، ومثل هذا لا تضره التهمة بالجنون أو السحر أو الشعبذة أو ما شابه، بل وبالرغم من عظم شأنه عند الله تعالى فإن أصحابه يقولون (كان فينا كأحدنا)، عندما يُسْألونَ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)..
لاحظوا جيدًا..
لم يكن بقاء الشيخ الطوسي (قدس سره) بيننا اليوم بسبب لقب (شيخ الطائفة)، وليس للقلب (المفيد) دخل في إجلالنا للشيخ محمد بن محمد بن النعمان (قدس سره)..
كما وأن لقب (أمير المؤمنين) لم يفد يزيد بن معاوية شيئًا بعد أن حكم على نفسه بأن يكون ملعونًا أبد الآبدين، ومثله (القائم بأمر الله) العباسي..
ثقافة الألقاب ثقافة استبداد تقف وراء مخططات قمع يتبعه تفرد وتسلط، وهذا قد يكون مباشرًا سافرًا وقد يكون مغلفًا متسترًا، وفي الحالتين فإن المخالف (لصاحب اللقب) شيطان خارج على (الله) سبحانه وتعالى، فالمعارض للحكام الأموي خارج على الله من طريق خروجه على خليفته في الأرض (كما أفاد معاوية بن أبي سفيان)، والخارج على صدام التكريتي خارج على (ليث العروبة وحافظ مجدها) وبالتالي فهو خائن يستحق التذويب في حامض (التيزاب)، وفي مناطق أخرى يكون المعارض للحكام (خارج) على الشرعية، وبالتالي فهو معاد للوطن والمواطن..
نحن نتحدث بجرأة عندما يكون الكلام عن الآخر، ولكنه عندما يتحول إلى مكاشفة مباشرة مع الذات فالأمر حينها يختلف، وإلا بالله عليكم، ما الفرق بيننا وبين أولئك الذين أسبغوا على أنفسهم أو أُسْبِغَتْ عليهم الأطنان من الألقاب المخيفة؟
لسنا نختلف عنهم إلا في أمر واحد، هو أن القابهم لحماية (كرسي الحكم)، أما القابنا فلحماية (أمر آخر)، ولكن المآل في نهاية المطاف واحد، هو.. الضعف وإلى جانبه الفهم المغلوط للقوة، وهذا معلول لعلة واحدة لا شريك لها، هي: عدم أو ضعف أو خلل في احترام (الإنسان)؛ أوليس الكل يريد أن يمارس سلطته ويثبت بروزه؟
نعم، وعلى حساب (الإنسان) الذي وبسبب (الألقاب) خسر معركة (التصحيح)؛ فالتصحيح أصبح جبهة في قبال (الألقاب).
السيد محمد علي العلوي
27 من ذي القعدة 1434 هجرية
3 أكتوبر 2013 ميلادية