قادرون على تسيير الجبال!!

بواسطة Admin
0 تعليق

قال إمامنا الرضا (صلوات الله وسلامه عليه): “وليس العلم بكثرة التعلم، إنما هو نور يقذفه الله في قلب من يريد أن يهديه“.

قد يصل إنسان إلى أعلى مراتب الدقة في استنباط النتائج والوصول إلى أرقاها من خلال تتبع القوانين وإعمال النظر في مقدماتها، فهو في عرف الأرض عالم عبقري يمنحه الأكابر من أقرانه لقب علاَّمة أو بروفيسور أو ماشابه من ألقاب تدل على مكانته العلمية بهذا المعنى، ولكنه في عرف السماء يبقى معلقاً على مدى وعمق الهداية التي نالها بعلمه ومعرفته، فإن كان وإلا (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً).

هذا هو قانون السماء الذي وضعه المولى تبارك ذكره لحفظ عنوان الغرض الذي خُلق من أجله الإنسان، وهو التكامل في طريق تحقيق الخلافة الإلهية في الأرض، والتي لا يسعها علم آينشتاين ولا معرفة داروين ولا فلسفة هيجل، ولكن الذي يُدَّعم أركانها تقوى أبي ذر ومعرفة سلمان وورع مالك، وهذا لا يعني بأن هؤلاء الأبطال بروحياتهم العالية يتعارضون وماكان عليه آينشتاين وداروين وهيجل، ولكنه يعني أن الأصل في العلم هو معرفة الحق، وبالتالي فإن ما يتفرع عليه من علوم كالطب والفلك والفلسفة والفيزياء وماشابه لاشك في أنه يسلك بمن يحمله طريق الهداية والخير والرشاد.

لذا فإن المقياس الأول لمعرفة خير الإنسان هو مقياس التدين وقوة التقوى والورع والصدق فيه، وهذا ما نحتاج إلى التأسيس عليه في مجتمعنا بعد أن اتضح فقداننا الكثير من الطاقات المعرفية الرائعة التي لو ركزنا في وقت من الأوقات على اكتشافها وإفساح الطريق لها لوجدنا منها إبداعات لا يبعد أن تكون سبباً في تخليص الأمة من أطنان المشاكل والأزمات التي تفتك ببنيانها دون رحمة.

بيننا الكثير من مثل هذه القوى البشرية الهائلة التي تركناها مع صب الشاي في الحسينيات، وحمل السماعات في مواكب العزاء، وتنظيف المكان بعد ولائم الخير..

إن هذه الأعمال التي يقومون بها أعمال رائعة لا يوفق إليها إلا برضا من الله عز وجل وهدى، بل وأن الكثير من هؤلاء الخَدَمَة الموقرين قد يكون شأنهم عند الله سبحانه وتعالى أعظم وأعلى من بعض من عرفهم العالم بالعلم والتدقيق والبحث والتنقيب، وأكثر من ذلك أنهم ربما تجاوزوهم لو استنهضت طاقاتهم ومُكِّنوا من قلم أو (مايكروفون) أو مانحوهما، ولكن الحاصل هو اكتفاء (الكبار) بمدحهم والثناء عليهم على اعتبار أنهم يخدمون أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام)، ولا شك في أن ذلك كله حسن، ولكنه لا يكفي في نظر أصحاب الهمم العالية الذين يرمون بآمالهم صوب دولة الحق المهدوية وما تحتاجه من تمهيدات ومقدمات تأتي على رأسها قضية تفجير الطاقات النورية التي يقذفها الله عز وجل في قلوب عباده المهديين.

إنني في هذه السطور لست في معرض البحث عن أسباب هذا التيه عن طاقات حقيقية في نفوس شبابنا تنتظر من يستدعيها للرسالية والعطاء، ولكن الذي أريد التصريح به هنا هو أننا نمارس هذا التِيه وكأنه منهج تربوي (فاسد) اتخذناه من حيث (لا أعلم) ونمارسه مع أطفالنا من يوم الولادة حتى ينشؤوا عليه ليعيدوه في المجتمع بشكل أوسع وأكبر.

ينبغي لنا أن نعي القدرة الإبداعية التي أودعها الله عز وجل في مخلوقه الإنسان تكويناً، وأمره بتفعيلها بما يسع هذا الوجود الحادث، وهو حقاً قوله عز وجل لنبيه الأكرم (صلى الله عليه وآله): “اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ”، فالمولى عز وجل يأمر ويحث ويبعث النبي الأمجد (صلى الله عليه وآله) وهو صاحب العلم اللدني على مواصلة التدبر في مخلوقات الله تعالى وفي نفسه حتى يزداد عنده أفق المعرفة ألقاً وسمواً، وهذا البعد المعرفي موجود عند كل إنسان من بني البشر، وليس من حق أحد كبته ودفنه تحت أي عنوان من العناوين ابتداءاً وأصالةً.

إنها نظرة بسيطة يوليها الآباء لأبناءهم لاكتشاف سعة المجال الإبداعي الذي أولاهم الله جلَّ شأنه، ولهذا دلالات كثيرة نحتاج فعلاً إلى معرفتها والإلمام بها، فذاك الطفل الذي يكسر ألعابه من الراجح جداً أنه يشير إلى طاقة يطالب باستدعاءها حتى تكون في مسارها الصحيح، ولكن الذي يحصل هو أن يواجه هذا الطفل البريء بانواع وأصناف من اللوم والغضب والعقاب. وآخر يريد من والديه الالتفات إلى ما يريد من خلال صراخه الكثير وانزعاجه الذي يُتهم بأنه غير مبرر.. وهكذا يبدأ مشوار القضاء على الطاقات العلمية مع سبق إصرار وترصد.

هناك ممن يوفقهم الله تعالى للإحتفاظ بشعلة الإبداع في دواخلهم، فيبقون حمَّالين لها منتظرين لمن يعيطهم دفعة ثقة أو يفتح لهم باب خير ينطلقون من خلاله للعطاء فيتفوقون على كثير ربما كان مستنهضهم أحدهم، وهذا هو عين مايطلبه العمل الرسالي الصادق بأن يكون الجميع في حارة “وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ“.

أقول لكل أطياف المجتمع وطبقاته وشرائحه: قد يكون الحل لكثير من أزماتنا على مختلف المستويات كامناً في قوى (صب الشاي أو حمل السماعات أو تنظيف محال الولائم والمضايف)، وليس من شرف اعظم من أن يتواصل العمل في مثل هذه المجالات مع مضاعفة الاهتمام والتركيز على دفع الجميع نحو العمل الإبداعي دون تسلط او ماشابه، فواللهِ إنَّ ما بين أيدينا من طاقات فكرية معطاءة قادرة على تسيير الجبال بعمق صدقها وصادق إيمانها. فهلاَّ من التفاتة مسؤولة؟

السيد محمد علي العلوي

 14 شعبان 1431 هـ

26 يوليو 2010 م

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.