نجد في التاريخ بأن أشخاصًا وربما شخصًا هو الذي يحدث منعطفًا أو منعطفات في مسيرة مجتمع بأكمله، وأضرب مثلًا محمد هادي السبيتي الذي كان على رأس حزب الدعوة بعد الصدر الأول والسيد العسكري في أحداث مفصلة، وهو (السبيتي) الذي غير وجه التاريخ الدعوتي على مستوى العمق الأدبي، وعندما ننظر ونحلل الأحداث في العراق وفي كل بلد دخلته الدعوة فإننا سوف نجد بصمةً واضحه له هنا وهناك.. إنه شخص واحد مكنته عقلية التغيير من امتطاء فرس الإرادة والمضي في مشاريع ضخمة استوعبت مناطق جغرافية واسعة جدًا، وها هو الحزب ينتشر بألوان عدة وبقوة مجتاوزًا غيره ممن لم يتمكن من تنظيم نفسه ولم يعر اهتمامًا للتخطيط والتفكير على مستويات استراتيجية صحيحة.
إرادة محمد هادي السبيتي ومن كان معه تفوقت على إرادة الجماهير فتمكنت من كسبها والاستفادة منها منذ سبعينات القرن المنصرم وحتى اليوم، وكلامي تحديدًا هنا في طبيعة المواجهة بين العقل التغييري وإرادة المجتمع..
المجتمع جسدٌ بلا رأس ثابت، فالرأس فيه لمن يتمكن من فرض نفسه رأسًا لتمتد من بعد ذلك وصلات الأعصاب وممرات التنفس والتفاعلات بينه وبين سائر مناطق الجسد، ولن تهضم إشارات الرأس إلا في وعي المجتمع الذي إن قبلها مررها إلى الجسد يتغذى وينمو ويقوى، وإن رفضها فلا بد من دفعها إلى الخارج ليتخلص من سمومها، فوعي المجتمع بالنسبة للمجتمع كالمعدة بالنسبة للجسد، وهي التي عبر عنها الرسول بأنها بيت الداء، ثم وجه إلى أن (الحمية) رأس الدواء، ومن هنا نبدأ..
لن يكون الوعي متكاملًا متوهجًا متألقًا إلا (بحمية) ثقافية متقدمة، والحمية كما هو واضح لمن (يعي) ليست في الانتهاء عن الطعام، ولكنها في فهم مكونات الأغذية ومدى مناسبتها للجسم ومن بعد ذلك انتقاء ما يفيد منها وذر ما لا يفيد، وهكذا ينبغي لوعي الجماهير أن يتعامل مع ما يرده من الرأس (أي رأس) سواء كان باحثًا أو خطيبًا أو كاتبًا أو شاعرًا أو منشدًا أو مختارًا أو مدرسًا أو غير ذلك، فالموازين لا بد أن تكون حاضرة دائمًا وأبدًا في الوعي الجماهيري، وشرط ذلك إنما هو في الفهم.. حسن الذائقة.. القدرة على التحليل والتفكيك.. إعلان حالة العداء الشامل للاستعجال في الأخذ وإصدار الأحكام.
يتحدث المجتمع اليوم عن خطب الجمعة، وعن البيانات والفعاليات (الثورية)، وعن الوفاق والجمعيات السياسية.. يتحدث عن الشعائر الحسينية.. عن التطبير والضرب بالسلاسل وما نحو ذلك.. تدور أحاديث عن المذاهب والمواقف المفترضة..
أطرح السؤال التالي:
من أين ينطلق الحديث تحديدًا؟ وكيف ينتشر؟
في الغالب أن (رأسًا) من الرؤوس يلقي كلمة فتسجل وتنشر ثم تضاف إليها بعض التعليقات فتشتعل نار التفاعل وتهيج أمواجه بين مؤيد ومعارض وداعم ورافض وفاعل ومنفعل..
انتقال عبر شاهد:
شاهدت يوم أمس تسجلًا مرئيًا للسيد حسين الشامي (المستشار الديني لرئيس الوزراء العراقي) يتحدث فيه عن ممارسات هي عند فقهاء مجتهدين مراجع من الشعائر الحسينية الدينية.. التطبير.. الضرب بالسلاسل وما إلى ذلك، وكان يقول بأنها بدع ولا يمكن أن نترك الدين لمجاميع من الجهلة!!
إنه (رأس) تحدث ولن يتمكن أحد من منعه، وإن تمكن فسيضر غيره، وهكذا، ولكنني على المستوى الشخصي منعتني موازين الوعي من التفاعل مع كلامه ولو في أدنى المستويات، فوعيِّ يقرر أن أي فعل يحظى برأي فقهي من مجتهد جامع للشرائط فهو صحيح عند من يرجع في تقليده للمرجع صاحب الرأي، والصحة بمعنى براءة الذمة أمام الله سبحانه وتعالى، ولذلك فإن كلام المتحدث (السيد حسين الشامي) لا وزن له عندي في الجانب منه. انتهي (نقطة، ونهاية السطر).
ولو أنني تفاعلت مع كلامه فسوف اندفع لنشره حتى أدعمه وأؤيده وأضيف إليه ما أضيف ثم لن أجد مفرًا من التأهب للرد على مخالفيه، وإن كنت من معارضيه فسوف أنشره أيضًا لأقع فيه طولًا وعرضًا ولعنًا وضربًا، ثم أتأهب لمواجهة مؤيديه.. إنها معدة (خراب) تمتلئ بالغازات والبكتيريا والتقيحات، ولن يكون منها إلا إتعاب البدن وإمراضه على طريق القضاء عليه وتحويله إلى مخلوق مشوه كسيح لا حول ولا قوة له إلا على نفسه المتهالكة!!
وقس على ذلك أيها اللبيب..
السيد محمد علي العلوي
18 محرم 1434هـ/ 3 ديسمبر 2012م