ظاهرة الخلفيات الموسيقيَّة في المقاطع الإسلاميَّة ll بقلم الشَّيخ علي حُرَيم الجمري

بواسطة Admin
0 تعليق

بسم الله الرحمن الرحيم، وعليه توكلت

إنّ للحياة أسسًا وضوابطَ ممنهجةً على أصول، فكلما تشتت النّاس عن الحقيقة نراهم عازفين عن الأصل، وواقعًا لا حجّة للنّاس على الخطأ، كالسلحفاة عند مواجهتها الصقر تختبئ خوفًا منه لتنجو بحياتها، كذلك حياتنا، فكلما بَنينَا حصونًا تدفع بالعدو وتتصدى له، لن نخاف من أيِّ صقر أو ثعبان، لقوة التماسك والترابط أثناء المواجهة، فالأصل هنا كالحصون المترابطة عديمة الثغور.

ما أريده هو سقي ساق النبتة الناشف المائل لفقدناه الماء الراوي، ظاهرةٌ تألّبَ بعض النّاس عليها لا لقلّة إيمانهم، بل لجهلهم – هداهم الله – بخطورة ما يفعلون، نيّتهم حسنة كنفوسهم البيضاء المؤمنة، ولكن عدم الالتزام بالأصول يؤدي إلى وجود صقر مراده تهشيم الأصل تهشيمًا يخلع الحياء من النّاس، فالشيطان لَعِينٌ قويٌّ مُخادِعٌ باغٍ، والنفس بسيطة وضعيفة، فيأتي إليها بأساليب تغرقها، فتزل بسهولة، وعلى ذلك تقوم النّفس عنوة بفعل المعاصي، والنفس كلما تعودت على فعل شيء صارت إليه أقرب، وعن الانفكاك عنه أبعد، لذلك يجب الحذر من الوقوع في شِرَاكِ الرجيم.

ومن الأمور التي زلّت فيها الأقدام، وأقبل عليها فوج من الأنام، وآذت الآل الكِرَام، وآلمت صاحب العصر والزمان – أرواحنا لهم ساداتنا الفداء -، وأجبرت لسان العلماء على الكلام ويراعهم على البيان، وضع الموسيقى المُحرّمة في مقطع ديني لغرض التأثير والتأثر، وحقيقةً ليس هذا سبيلٌ للهداية، وإن كان المقطع مفيدًا للدنيا والآخرة، بل هذا أُشَبِهُه بالبذرة، أولًا تزرع ويطمسها التراب، ثم شيئًا فشيئًا تكبر إلى أن تكون ما تكون، كذلك العمل المحرّم واعتياد النّفس يجعل هذا العمل -بالرغم من بدوِّه صغيرًا- سرعان ما ينمو وينمو.

إنَّ الموسيقى التي تنشر عبر التواصل الإلكتروني في هذه السنوات المقدّرة أغلبها مقتبسة من منصة (اليوتيوب)، التي تَنشرُ مقاطعَ مقسّمةً على أنواع معينة من الموسيقى، فمثلًا تجد (صورة مصغرة) عنوانها “موسيقى حزينة” فيها الكثير من الموسيقى الحزينة التي معظمها مقتبسة من أفلام ومسلسلات مصوّرة، وهي على أصناف أيضًا، فمنها التركية، والعربية، والإنجليزية، وغير ذلك.. إذ هو اقتباس من أصناف مأخوذة من أفلام ومسلسلات ينقل النفسَ إلى السخف الحاصل، فتلك الموسيقى الحزينة وضعت لموقف حزين في مشهد مصوّر، لا إلى مقطع يتحدث بين كلمة وأخرى عن الله ورسوله!، أو حديثٍ عن العترة – عليهم السلام -!

قد يقول قائلٌ: نحن غرضنا التأثير في النفوس، وبعض هذه الموسيقى غير محرمة ولا تقترب من مجالس اللهو، فبم تشكلون عليها؟

فنقول: من جانب نفسي علمي فللموسيقى تأثيرٌ على النفس من جهتين؛ إيجابية وسلبية، فمنهم من يستخدم (موسيقى هادئة) للنوم مثلًا، وهذه الموسيقى لا تحتوي على طرب ولا تقترب من المجالس المحرّمة، وهذا جائز، أما السلبية – المحرّم الاستماع إليها – فهي مراد الموضوع، ولا نريد بعموم الموسيقى، هذا أولًا.

ثانيًا: إنّ النفس عند قراءة كلام ربها – القرآن الكريم – تتأثر من دون موسيقى، وتذرف الدموع لقوة الخطاب الموّجه، وهنا توجد نكتة لطيفة، فعندما نستمع لشخص نحبه نُقبل على ما يقول بوعي واهتمام، لأنّا نحب هذا المُلْقِي، وكذلك كتاب الله العزيز، وفي الروايات الكريمة نحن ندرك بأن المروي صادرٌ مِن فمِ إمامٍ معصوم، فنتلقى العلم والنصح بكل رحابة صدر.

واعلم أنّ الموسيقى المحلّلة قليلة لا لذاتها، بل لتوجه النفس إلى ما يجعلها تصل لنشوة تنسيها تكليفها وواجباتها، وأغلب وإن صحّ فكل الموسيقى التي يستخدمها الناس هي محرمة، وهي عينها مجالس اللهو واللعب، ولا تحسب أنها تؤثر على النّاس كما تتوهم، بل الناس ينجذبون إلى المقطع للموسيقى المطربة التي فيه، كما لسنا منقطعين عن البرامج الإلكترونية – من إنستقرام وتويتر ويوتيوب – إذ نعيش في نفس العصر والوقت والجيل.

وأصبح ديدن بعض النّاس في نشر مقطع طاهر عن محمد وآله – صلوات الله عليهم – ممزوج بهذه المحرّمات التي بدورها تشوه الدين والإسلام، وفكرته فكرة مقتبسة من الغرب الذي يزج بالموسيقى في المقاطع بدعوى أنها تحفز النفس وتقويها، لماذا نتبع هذا الأسلوب المشوّه؟ هل تحسب بأن الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – كان يتكلم بكلامه الرونقي المؤثر على العباد بوجود شخص يُلَحِن ويُطَبِّل؟!

هذا وأنت ترى، فما بالك بأثرها على الوجدان؟

روي عن أمير المؤمنين – عليه السلام -: “لم يعقل من وله باللعب، واستهتر باللهو والطرب”.

جامع الأخبار: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): “يحشر صاحب الطنبور يوم القيامة وهو أسود الوجه، وبيده طنبور من نار، وفوق رأسه سبعون ألف ملك، بيد كل ملك مقمعة يضربون رأسه ووجهه، ويحشر صاحب الغناء من قبره أعمى وأخرس وأبكم، ويحشر الزاني مثل ذلك، وصاحب المزمار مثل ذلك، وصاحب الدف مثل ذلك”.

عن الأمير – عليه السلام – أنه قال: “لا يحل بيع الغناء ولا شراؤه واستماعه نفاق، وتعلمه كفر”.

هذا كله في ضفة، والأعظم هو الجهر بالمحرمات بين النّاس، إذ تأخذ إثم من سرى على طريقتك في النشر، وهكذا ينتشر الإثم للجميع، والله المستعان.

قال تعالى: (إنما المؤمنون إخوة)، هذه الآية المباركة نسمعها كثيرًا، ولكن هل عرفنا مصاديق ومواضع (إنما المؤمنون إخوة)؟

هذا السؤال أتركه لك عزيزي القارئ لتنسج مفهومًا من خلال ما قرأته عينك – حفظك الله وسدد خطاك -، وعليّ أولًا ثمّ إخواني المؤمنين الالتزام بكلام العلماء الصالحين بالتمسك بالعقيدة الصحيحة، والاحتياط في مثل هذه الشبهات، فأعمالنا كلها معروضة عليهم – عليهم السلام -.

هذا، والحمد لله رب العالمين

علي حُرَيم الجمري

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.