بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمَّدٍ وآلِه الطيبين الطاهرين
انتهى بنا النظر إلى عدم شمول أدلة الوكالة للتوكيل في الطلاق دون سبق إرادة الزوج بإيقاعه، أو بعدم الإرادة الناقضة، وقد بيَّنا ذلك مُفَصَّلًا في أكثر من مقال[1]، غير إنَّنا لو سلَّمنا بصحَّة الوكالة فإنَّ إمضاءها مُشكِلٌ من جهتين:
الأولى: المقاصد الواضحة للشريعة.
الثاني: ضبط الإرجاع للعموم.
ولبيان ذلك نُقدِّم بأمرين:
الأوَّل: المراد من مقاصد الشريعة:
يُنَظِّرُ بعضُ المعاصرين إلى اعتماد ما يرونه من مقاصد الشريعة في عملية الاستنباط، فيقولون، مثلًا، بأصالة قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ)[2]في فهم النصوص الشرعية وكونها ضابطة أصيلة في الاستنباط.
من أمثلة ذلك ما قاله “بعض المحققين في مسألة أنَّ المؤونة التي أُنْفِقَتْ على الغنيمة بعـد حصولها بحفظ، ورعي، وجمع، وغيرها.. هل تُقَدَّم على الخُمس، أم لا؟ قال بأنَّ تقديمَ الخُمس على المُؤَنِ مُخَالِفٌ للعدل. ورُبَّما أُورِدَ عليه بأنَّه لمْ يُعْلَم في قواعد الفقه قاعدة تُسَمَّى بقاعدة العدل وإنَّما ذلك يشبه الاستحسان الذي هو من مبادئ فقه الحنفية.
وقد أُجِيبَ عنه بأنَّ قاعـدةَ العدل مِنْ أعظم قَواعِدِ الفِقْهِ وإن لم تَكُن مُعَنْوَنة في أبوابه كسائر القواعد، ويستدل لها مـن الكتاب بقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ).
ولا ريب أنَّ مِنَ العـدل أنْ تكون مؤونة المملوك على مالكه، ومِنَ البغي أن تحمل مؤونته على غير مالكه.
والظاهر أنَّه لا ينبغي الإشكال في أصل القاعدة كما دلت عليه الآيات الشريفة كقوله: (وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ)، وقوله تعالىٰ: (وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ)”[3].
إنَّنا في هذا المقام نريد من مقاصد الشريعة الغايات العامَّة التي يريد الشارع المقدَّس تحقيقها في حياة الناس من خلال تشريعاته.
الثاني: كمال المخلوق[4]:
كلُّ مخلوقٍ أبدعته يَدُ الخالق سبحانه وتعالى كامِلٌ في نفسه، وإنَّما يتردَّد بين الأكمل والأنقص بإضافته لغيره. ثُمَّ إنَّ كمال المخلوق مُنسجِمٌ تَمَامَ الانسجام مع منظومة الخلق، فَبُطء السلحفاة كمالٌ، والسرعة الفائقة للفهد كمالٌ، ووزن الفيل كمالٌ، ورشاقة الغزال كمالٌ. كما وأنَّ كون السبع مُفْتَرِسًا لمثل آكلي الأعشاب كالجاموس كمالٌ.. وهكذا، ولو أنَّ خللًا يطرأ على نوع من الأنواع لاختل كلُّ النظام.
يختلف الحكم بإضافة موضوعه لغيره، فإنَّ قُبحَ ودناءة الضبع تظهر عند مقارنته بالأسد مثلًا، أمَّا لو كان النظر إليه مستقلًّا عن غيره فلن نجد فيه غير الكمال اللائق به. ثُمَّ لصحَّة الحكم فإنَّ نفس الإضافة تفتقر إلى معيار قياسٍ يعمُّ المضاف والمضاف إليه، كما في إضافة الجاموس إلى الغزال والقياس على السرعة للفرار مِنَ السبع.
إذا اتَّضح الأمران، فأوَّلًا:
مخالفة توكيل الزوجة للمقاصد الواضحة للشريعة، وذلك من جهتين:
الأولى: الرجل، من حيث تأكيد الشارع المقدَّس على قيمومته، وتمييزه لكونه الآخذ بالسَّاق، وتبعية المرأة له، وغير ذلك ممَّا يبين إرادة الشارع في جعل الأمور بيده، لا بيد غيره.
أمَّا القيمومة فقد قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ)[5]، وأوَّل الكلام ما عن إبراهيم بن محرز قال: “سأل أبا جعفر (عليه السَّلام) رجلٌ وأنا عنده، فقال:
“رجلٌ قالَ لامرَأتِهِ أمْرُكِ بِيَدِكِ؟
قال (عليه السَّلام): أنَّى يَكُونُ هذا واللهُ تعالى يقول: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء)؟ ليس هذا بشيءٍ”[6].
ونجد شيئًا من التفصيل في حديث رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) مع اليهودي؛ إذ سأل هذا الأخير:
“ما فضل الرجال على النساء؟
قال النبيُّ (صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ): كَفَضلِ السمَاء على الأرض، وكفضل الماء على الأرض، فبِالمَاء تَحيَا الأرض، وبالرجال تحيا النساء. لو لا الرجال ما خَلَقَ النساء، لقول الله عز وجل: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ).
قال اليهوديُّ: لأيِّ شيءٍ كان هكذا؟
قال النبيُّ (صلَّى الله عليه وآله): خَلَقَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ آدمَ مِنْ طين، ومِنْ فَضْلَتِهِ وبَقِيَّتِهِ خُلِقَتْ حَوَّاءُ، وأوَّلُ مَنْ أطَاعَ النساءَ آدمُ فأنْزَلَهُ اللهُ مِنَ الجَنَّةِ. وقد بيَّنَ فَضْلَ الرجالِ على النساء في الدنيا؛ ألا تَرَى إلى النساء كيف يَحِضْنَ ولا يُمْكِنُهنَّ العِبَادة مِنَ القَذَارَةِ، والرجال لا يصيبهم شيءٌ مِنَ الطمثِ؟”[7].
الثانية: نفس المرأة؛ إذ إنَّ كمالها في أن تكون مُصانةً بِعِنَايةِ خُصُوصِ الرجل، وإلَّا ففي انفراط هذا الإحكام ضياعها وضياع العِباد، ويظهر ذلك بوضوح في ما أوصى به أميرُ المؤمنين (عليه السَّلام) ولده الحسن (عليه السَّلام) إذ قال: “وإنْ استطعتَ أنْ لا تُمَلِّكَ المَرأةَ مِنْ أمْرِها ما جاوز نفسها فافعل[8]؛ فإنَّه أدومُ لِجَمَالِهَا، وأرخى لبالها، وأحسنُ لحالها، فإنَّ المرأة ريحانةٌ وليست بقهرمانة[9]، فَدَارِهَا على كُلِّ حالٍ وأحسِنْ الصُّحْبَةَ لها؛ فَيصْفُو عَيشُكَ”[10]، فذلك للمحافظة على كمال المرأة بعدم تعريضها لما لا يُناسِب جبِّلتها التكوينية.
استطراد:
إنَّ مِنْ أعجَبِ ما يُثيره الشياطين في نفوس النساء وأذهانهنَّ تصوير الأحاديث الواردة في بيان حال المرأة، وهو كما بيَّنا بالإضافة إلى غيره، على أنَّها أدوات امتهان وتصغير لها!
حقٌّ لا يُنازل أنَّ المرأة للرجل في شئون الحياة، كالموظف المرؤوس لِرَئيسه في العمل، والفرق بينهما أنَّ التقدُّم والتأخر في الثاني معلولٌ لقضايا تُحَصَّل، فالموظف المرؤوس يدرسُ، ويتعلَّمُ، ويكتسبُ الخبرات، فيتطور وينتقل لشغل مكان الرئيس، فيكون رئيسًا من بعد أن كان مرؤوسًا. أمَّا في مثل المرأة والرجل، والبالغ وغير البالغ، وما نحو ذلك، فالأمر راجع إلى الخِلْقَةِ والتَّكْوين، غير أنَّ المُحصَّلة واحدة؛ ففي تقديم الموظف قبل استحقاقه للتقديم مفاسد لا تخفى، وكذا في تقديم المرأة على الرجل، أو التسوية بينهما، مفاسد لا تخفى على ذوي العقول الراجحة، أمَّا غيرهم فينخدعون بتقدُّم المرأة في ميادين العلم والعمل، والإنجازات!
إنَّها سُنَّةٌ طبيعيةٌ مِنْ سُنَنِ الحياة، ولم تكن يومًا محلَّ إشكالٍ أو ما شابه، بل أنَّ المرأة كانت هي المدافع عن حقِّ صونها وحفظ كرامتها؛ بِمَنعِ وطردِ كلِّ فكرة ترمي إلى إخراجها عن الحدود التي تفرضها طبيعتها التكوينية المخلوقة للحكيم الخبير سبحانه وتعالى.
إنَّ ما يشهده العالمُ اليوم من مقاسمة تحريضية للمرأة على العدوان وتجاوز حدود الله جلَّ في علاه ليست ببعيدة عن مقاسمة الشيطان لآدم وحواء (عليهما السَّلام)؛ وذلك من جهة التزيين وتزويق. قال في الذكر الحكيم: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ)[11]!
نحن نفهم النصوص الشريفة الواردة في الأبعاد التكوينية للمرأة ببصيرة الحكمة البالغة لله تبارك ذكره، فلا نراها إلَّا كمالًا لها وللإنسان في هذه الدنيا الفانية.
قال أميرُ المؤمنين (عليه السَّلام):
“مَعَاشِرَ النَّاسِ؛ إِنَّ النِّسَاءَ نَوَاقِصُ الإِيمَانِ.. نَوَاقِصُ الْحُظُوظِ.. نَوَاقِصُ الْعُقُولِ؛ فَأَمَّا نُقْصَانُ إِيمَانِهِنَّ فَقُعُودُهُنَّ عَنِ الصَّلَاةِ والصِّيَامِ فِي أَيَّامِ حَيْضِهِنَّ، وأَمَّا نُقْصَانُ عُقُولِهِنَّ فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ كَشَهَادَةِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ، وأَمَّا نُقْصَانُ حُظُوظِهِنَّ فَمَوَارِيثُهُنَّ عَلَى الأَنْصَافِ مِنْ مَوَارِيثِ الرِّجَالِ. فَاتَّقُوا شِرَارَ النِّسَاءِ، وكُونُوا مِنْ خِيَارِهِنَّ عَلَى حَذَرٍ، ولَا تُطِيعُوهُنَّ فِي الْمَعْرُوفِ حَتَّى لَا يَطْمَعْنَ فِي الْمُنْكَرِ”[12].
يبين أمير المؤمنين (عليه السَّلام) ظهور ثلاثة من الأبعاد التكوينية للمرأة في تشريعات الله تعالى، ثُمَّ أنَّه يأمر باتِّقاء شرار النساء، والكون على حذر في التعامل مع خيارهن، وينهى عن إطاعتهم في المعروف فيما إذا استقلت برأي فيه امرأةٌ، أو أكثر. وهذا لا يعني أنَّ المرأة مخطئة دائمًا، ولكنَّ الأحكام تُلقى على نحو الكلي. فتنبَّه.
وليكون واضحًا أنَّ تكوين المرأة لا يعني عجزها عن التفوق على الرجل في العلم والتحصيل والعمل وتحقيق الإنجازات، إلَّا أنَّها لم تُخلق لهذه المسارات. فافهم رعاك الله تعالى وأعطاك رشدك.
دفعٌ لِغَلَطٍ شائع:
لو أُجريتْ تجارب ودراسات عالمية على كلِّ رجال ونساء الأرض، وانتهتْ إلى تقدُّم النساء على الرجال تقدُّمًا ساحِقًا في كل الشئون الإدارية والإنتاجية، سياسية، واقتصادية، وتربوية، وتعليمية، وغير ذلك، فإنْ هذا لا أثر له في الرؤية المبنية على وفرة من النصوص الشريفة، قرآنيةً وحديثيةً الكاشفة عن الوجود الواقعي لمِلاك قضى بتقديم الرجل على المرأة، وبحسب الفرض فإنَّ هذا المِلاك قد خفي عنَّا، وخفاؤه لا ينفي وجوده.
ودونك المصالح الواقعية في خرق العبد الصالح للسفينة، وفي قتله للغلام، وفي إقامته للجدار دون مقابل، وكذا نهي الله تتعالى، بل زجره لنبيه نوح (عليه السَّلام) عندما سأله عن انقاذ ابنه من الطوفان، فقال (فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ)[13].
وقد طرح بعضُ المؤمنين قولهم عن عدم وجود فائدة للزائدة الدودية، فقلتُ: ليس من فائدة أعظم من فائدة التسليم لله تعالى خالق الخلق. فنحن لا نحصر الفوائد والغايات في الأبعاد المادية وما تطاله إدراكاتنا المجدودة، وهذا أمر محسوم، وهو من الثوابت الحقَّة.
ثُمَّ إنَّه ليس بخاف بطلان الفرض المتقدم، إلَّا أنَّه نافعٌ لاستقرار ما نريد بيانه.
إذا اتَّضح ذلك، فكيف يصحُّ توكيل المرأة في إيقاع أمر هو من الأمور المبغوضة لله جلَّ في علاه؟
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (عليه السَّلام)، قَالَ: “مَا مِنْ شَيْءٍ مِمَّا أَحَلَّه اللَّه عَزَّ وجَلَّ أَبْغَضَ إِلَيْه مِنَ الطَّلَاقِ، وإِنَّ اللَّه يُبْغِضُ الْمِطْلَاقَ الذَّوَّاقَ”[14].
وعَنْه (عليه السَّلام) أنَّه قَالَ: “إِنَّ اللَّه عَزَّ وجَلَّ يُحِبُّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيه الْعُرْسُ، ويُبْغِضُ الْبَيْتَ الَّذِي فِيه الطَّلَاقُ. ومَا مِنْ شَيْءٍ أَبْغَضَ إِلَى اللَّه عَزَّ وجَلَّ مِنَ الطَّلَاقِ”[15].
تمَّ الكلام في مُعارضة المقاصد الواضحة للشريعة.
ضبط الإرجاع للعموم:
لا شكَّ في صحَّة الإرجاع إلى العمومات والإطلاقات مع المطابقة وعدم المخالفة بتحليل حرامٍ، أو تحريم حلال، غير أنَّ شُبْهَة تنشأ عند عدم إرجاع المعصوم (عليه السَّلام) مع وجود الداعي وعدم المانع، وبيانه:
إنَّ المورد إمَّا أن يكون موجودًا في زمن النص أو لا، فإن كان الثاني أرجعنه للعموم المُطابق له مع إحراز عدم المخالفة بتحليل حرام، او تحريم حلال.
وإنْ كان الأوَّل سألنا عن السبب وراء عدم الإرجاع، لا سيَّما مع وفرة الحثِّ منهم (عليهم السَّلام) على تحمُّل كلِّ من الزوجين لسوء الآخر واحتسابه عند الله تعالى، ما يكشف عن أنَّ المشاكل الزوجية حاضرة ولو تصورًا.
قال الإمام الصادق (عليه السَّلام): “ثَلاثٌ مِنَ النِّسَاءِ يَرْفَعُ اللهُ عَنْهُنَّ عَذَابَ القَبْرِ، ويَكُونُ مَحْشَرُهُنَّ مَعَ فَاطِمَةَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ (صلَّى اللهُ عليه وآله)؛ امْرَأة صَبَرَتْ عَلى غِيرَةِ زَوجِهَا، وامْرَأة صَبَرَتْ عَلى سُوءِ خُلُقِ زَوجِهَا، وامْرَأة وَهَبَتْ صدَاقَهَا لِزَوجِهَا. يُعْطِي اللهُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثَوابَ ألفَ شَهيدٍ، ويَكتُبُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عِبَادَةَ سَنَةٍ”[16].
عن النَبِيِّ (صلَّى اللهُ عليه وآله)، قال: “مَنْ كانَ لَهُ امْرَأةٌ تُؤذِيهِ لَمْ يَقْبَلِ اللهُ صَلَاتَهَا ولا حَسَنَةً مِنْ عَمَلِهَا حَتَّى تُعينُهُ وتُرضيه، وإنْ صَامَتْ الدَّهْرَ وقَامَتْ وأعْتَقَتِ الرِّقَابَ وأنْفَقَتِ الأمْوَالَ في سَبيلِ اللهِ كَانَتْ أوَّل مَنْ تَرِدُ النَّارَ.
ثُمَّ قَالَ: وعلى الرجُلِ مثل ذلك الوزر والعذاب إذا كان لها مُؤذيا ظَالمًا. ومَنْ صَبَرَ على سُوءِ خُلُقِ امرأتِه واحتَسَبَهُ، أعْطَاهُ اللهُ لَهُ بِكُلِّ مَرَةٍ يَصْبِرُ عَليهَا مِنَ الثوابِ مثل ما أعطى أيَّوبَ على بَلائِهِ، وكان عليها من الوزر في كل يوم وليلة مثل رمل عَالِجٍ، فإنْ ماتَتْ قَبْلَ أنْ تعقبه وقبل أن يرضى عنها، حُشِرَتْ يَومَ القيامَةِ مَنْكُوسَة مَعَ المُنَافقين في الدرك الأسفل من النار. وَمَنْ كَانَتْ له امرأةٌ ولم تُوَافِقهُ ولم تَصْبِر على ما رزقه الله وشَقَّتْ عليه وحملته ما لم يقدر عليه، لم يقبل اللهُ لها حَسَنَةً تَتَّقِى بِهَا النارَ، وغَضَبَ اللهُ عليها مَا دَامَتْ كَذَلِكَ”[17].
إنَّ ممَّا يُثير الشكوك حول توكيل الزوجة في تطليق نفسها عدم إرشاد المعصومين (عليهم السَّلام) لمثله، مع وجود المشاكل الزوجية وحالات الإضرار، وعموم أدلة الوكالة! ولا تغفل عن امتداد زمن النص لأكثر من ثلاثة عقود!
لا نقول بكاشفية ذلك عن عدم مشروعية التوكيل محل الكلام؛ فمقالتنا مبنية على التسليم بصحَّته تنَزُّلًا، ولكنَّنا لا نتمكَّن من ترك حياض الاحتياط في مثل هذه الموارد، كيف والأمر يتعلَّق بالفروج؟!
لذا فنحن نُكرِّرُ ذكر ما انتهى إليه الفقيه المُحدِّث البحراني (طاب رمسه)، قال: “وعندي في المسألة نوع توقف”، مًعلِّلًا بأنَّ: “الاعتماد عندنا في الأحكام الشرعية إنَّما هو على النصوص، والزوجية قد ثبتت وتحقَّقت، فرفعها ورفع ما يترتب عليها يتوقف على دليل واضح من النصوص”[18].
يتحصَّلُ بضمِّ ما يتعلَّق بمقاصد الشريعة إلى التساؤل الأخير بعدم إرجاع المعصوم (عليه السَّلام) ما يراه ذوو الألباب من الثقل الذي يتحمله الكاهل مع القول بالتوكيل محلِّ الكلام، حتَّى مع كونه مقولًا لجمهرة من فقهاء الطائفة، فمثله مثل الكلام في حكم العقد على الصغيرة. فتأمَّل.
عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (عليه السَّلام)، قَالَ: سَمِعْتُه يَقُولُ:
“مَنْ سَرَّه أَنْ يَسْتَكْمِلَ الإِيمَانَ كُلَّه فَلْيَقُلِ الْقَوْلُ مِنِّي فِي جَمِيعِ الأَشْيَاءِ قَوْلُ آلِ مُحَمَّدٍ فِيمَا أَسَرُّوا ومَا أَعْلَنُوا وفِيمَا بَلَغَنِي عَنْهُمْ وفِيمَا لَمْ يَبْلُغْنِي“[19].
السَّيد محمَّد بن السَّيد علي العلوي
21 ربيع الثاني 1443 للهجرة
البحرين المحروسة
……………………………
[1] – راجع: بيان الانتقاض الذاتي للوكالة في التطليق في حال عدم سبق إرادة المُوَكِّل: http://alghadeer-voice.com/archives/5840
و: تمام الكلام في (بيان الانتقاض الذاتي للوكالة في التطليق في حال عدم سبق إرادة المُوَكِّل: http://alghadeer-voice.com/archives/5861
[2] – الآية 90 من سورة النحل
[3] – قاعدة لا ضرر ولا ضرار – محاضرات آية الله العظمى السَّيد علي السيستاني- ص325
[4] – راجع المقالات التالية للكاتب: 1/ الدين وواقع الحياة – الحلقة الأولى: مقدمةٌ أساسٌ في موقع الدين من واقع الحياة ( http://alghadeer-voice.com/archives/5763 )
2/ الدين وواقع الحياة – الحلقة الثانية: مقالة التنقيح.. فريضتا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ( http://alghadeer-voice.com/archives/5779 )
3- قضية المرأة ( http://alghadeer-voice.com/archives/5795 )
[5] – الآية 34 من سورة النساء
[6] – الاستبصار – الشيخ الطوسي – ج 3 – ص 313
[7] – الأمالي – الشيخ الصدوق – ص 259 – 260
[8] – أي لا تكلفها ما جاوز نفسها، أو لا تفوض إليها مهما أمكنك أمورك.
[9] – القهرمان – بفتح القاف والراء: الوكيل والأمين والمفوض إليه أمور البيت والدار.
[10] – من لا يحضره الفقيه – الشيخ الصدوق – ج 4 – ص 392
[11] – الآية 20 من سورة الأعراف
[12] – نهج البلاغة – خطب الإمام علي (عليه السَّلام) / تحقيق صالح، – ص 105 – 106
[13] – الآية 46 من سورة هود
[14] – الكافي – الشيخ الكليني – ج 6 – ص 54
[15] – الكافي – الشيخ الكليني – ج 6 – ص 54
[16] – وسائل الشيعة (آل البيت) – الحر العاملي – ج 21 – ص 285
[17] – وسائل الشيعة (الإسلامية) – الحر العاملي – ج 14 – ص 116
[18] – الحدائق الناضرة، المُحدِّث البحراني، ج25 ص173
[19] – الكافي – الشيخ الكليني – ج 1 – ص 391