الامتناع عن الأكل والشرب والجماع حتَّى بلغت المحظورات عشرةٌ على الصائم من طلوع الفجر الصادق حتَّى غروب الشمس الشرعي، فترةٌ زمنيّة نهاريّة من عام الإنسان المؤمن يقضيها مبتعدًا عن ملذّات الدُّنْيَا امتثالًا للأمرِ المولوي الإلهي طالبًا الرضا منه سبحانه وتعالى.
الحاجات الغريزيّة لا تنفك عن الإنسان مادام محكومًا بقانونيْ الزمان والمكان، فهو في فعلهِ وحركته بحاجةٍ لصب هذه الغرائز في القنوات التي تحقق الاتزان في شخصيته ووجوده بشكلٍ عام؛ لغاية الاتزان لابد للحاجات من تفعيلٍ مستمر.
مفاجأة الكيان الطبيعي للإنسان بالامتناع عن حاجاته الضروريّة الصانعة للاتزان تثبِّت الإخلاص مفهومًا ومصداقًا في وجود الإنسان، كيف؟
المفاهيم الأوليّة موجودة بداخل كلّ إنسان، فيبدأ الإنسان بالنظر للخارج منتزعًا المفاهيم بمعادلةٍ معيَّنة وتفاعلٍ معيَّن مع تلك الأوّليات، يتولّد حينَها المفهوم الجديد، وبما أنَّ الإخلاص له عدَّة مصاديق في الخارج فتشكِّل مفهومه واستقرّ في الذهن.
جاء الأمرُ الإلهي بالصيام في شهر رمضان وهو الامتناع والإمساك عن تلك الحاجات لفترة معيَّنة بعد احدى عشر شهرًا من تزويد البدن بكل ما يحتاجه، امتنع الإنسان فحصلت منطقة فراغ بين تفكير الإنسان وتلك الحاجات وهذا الفراغ هو الطريق الموصل لها، وهنا يقع الإخلاص وبإزائه ما يقابله وغيره، فالصيام يُعطي مساحةً نقيَّة للتفكير في الإخلاص من أجل تثبيته، ووجود الشيء لا يعني ثبوته، فالإخلاص وإن وُجد مفهومًا ومصداقًا فذلك لا يعني ثبوتهُ بمعنى الفعليّة الحقيقية له في الإنسان.
إذن الصيام من إحدى حكمه تثبيت الإخلاص في كل شيء وخصوصًا في توجيه المصب الغريزي لقناة الإخلاص، كما قالت الصدِّيقة الكبرى فاطمة الزّهراء (عليها السلام) في خطبتها: فجعل الله الإيمان تطهيرا لكم من
الشرك والصلاة تنزيها لكم عن الكبر والزكاة تزكية للنفس ونماء في الرزق والصيام تثبيتًا للإخلاص..
الصيام تربيةٌ وفِكر..
الصيام بناءٌ للإنسان..
مقبولةٌ أعمالكم إن شاء الله تعالى..
محمَّد مسلم الصائغ
٥ رمضان المبارك ١٤٣٨هـ