الإخوة والأخوات، أرجو منكم قراءة هذه الملحمة العظمى لرسول الله (صلَّى الله عليه وآله) قراءة تدبرٍ وتأمل، ثُمَّ أُكرر رجائي بطلب نشرها بين المؤمنين وحثهم على قراءتها، ففيها من الإرجاعات التي نحتاج إلى اعتمادها في تحليلاتنا، كما وفيها تشخيصات دقيقة لأحوالنا..
مصدر الخطبة:
مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، للميرزا النوري (طاب رمسه)، ج١١ ص٣٧٢
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ قَالَ:
حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) حَجَّةَ الْوَدَاعِ، فَأَخَذَ بِحَلْقَةِ بَابِ الْكَعْبَةِ وَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ عَلَيْنَا فَقَالَ:
مَعَاشِرَ النَّاسِ، أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟
قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ إِضَاعَةُ الصَّلَوَاتِ وَاتِّبَاعُ الشَّهَوَاتِ وَالْمَيْلُ مَعَ الْأَهْوَاءِ وَتَعْظِيمُ الْمَالِ وَبَيْعُ الدِّينِ بِالدُّنْيَا.
فَعِنْدَهَا يَذُوبُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ فِي جَوْفِهِ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ؛ مِمَّا يَرَى مِنَ الْمُنْكَرِ فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُغَيِّرَهُ.
فَعِنْدَهَا يَلِيهِمْ أُمَرَاءُ جَوَرَةٌ وَوُزَرَاءُ فَسَقَةٌ وَعُرَفَاءُ ظَلَمَةٌ وَأُمَنَاءُ خَوَنَةٌ؛فَيَكُونُ عِنْدَّهُمُ الْمُنْكَرُ مَعْرُوفًا وَالْمَعْرُوفُ مُنْكَرًا، وَيُؤْتَمَنُ الْخَائِنُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَيُصَدَّقُ الْكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ الصَّادِقُ وَتَتَأَمَّرُ النِّسَاءُ وَتُشَاوَرُ الْإِمَاءُ وَيَعْلُو الصِّبْيَانُ عَلَى الْمَنَابِرِ وَيَكُونُ الْكَذِبُ عِنْدَهُمْ ظَرَافَةً، فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَأَدَاءُ الزَّكَاةِ أَشَدُّ التَّعَبِ عَلَيْهِمْ خُسْرَانًا وَمَغْرَماً عَظِيمًا، وَيُحَقِّرُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ وَيَسُبُّهُمَا، وَيَبْرَأُ مِنْ صَدِيقِهِ وَيُجَالِسُ عَدُوَّهُ وَتُشَارِكُ المرأةُ زَوْجَهَا فِي التِّجَارَةِ، وَيَكْتَفِي الرِّجَالُ بِالرِّجَالِ وَالنِّسَاءُ بِالنِّسَاءِ، وَيُغَارُ عَلَى الْغِلْمَانِ كَمَا يُغَارُ عَلَى الْجَارِيَةِ فِي بَيْتِ أَهْلِهَا، وَتَشَبَّهُ الرِّجَالُ بِالنِّسَاءِ وَالنِّسَاءُ بِالرِّجَالِ، وَتَرْكَبَنَّ ذَوَاتُ الْفُرُوجِ عَلَى السُّرُوجِ، وَتُزَخْرَفُ الْمَسَاجِدُ كَمَا تُزَخْرَفُ الْبِيَعُ وَالْكَنَائِسُ،وَتُحَلَّى الْمَصَاحِفُ وَتُطَوَّلُ الْمَنَارَاتُ وَتَكْثُرُ الصُّفُوفُ وَيَقِلُّ الْإِخْلَاصُ،وَيَؤُمُّهُمْ قَوْمٌ يَمِيلُونَ إِلَى الدُّنْيَا وَيُحِبُّونَ الرِّئَاسَةَ الْبَاطِلَةَ.
فَعِنْدَهَا قُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ مُتَبَاغِضَةٌ وَأَلْسِنَتُهُمْ مُخْتَلِفَةٌ، وَتَحَلَّى ذُكُورُ أُمَّتِي بِالذَّهَبِ وَيَلْبَسُونَ الْحَرِيرَ وَ الدِّيبَاجَ وَجُلُودَ السَّمُّورِ، وَيَتَعَامَلُونَ بِالرِّشْوَةِوَالرِّبَا، وَيَضَعُونَ الدِّينَ وَيَرْفَعُونَ الدُّنْيَا، وَيَكْثُرُ الطَّلَاقُ وَالْفِرَاقُ وَالشَّكُّ وَالنِّفَاقُ، وَلَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا، وَتَظْهَرُ الْكُوبَةُ وَالْقَيْنَاتُ وَالْمَعَازِفُ وَالْمَيْلُ إِلَى أَصْحَابِ الطَّنَابِيرِ وَالدُّفُوفِ وَالْمَزَامِيرِ وَسَائِرِ آلَاتِ اللَّهْوِ، أَلَا وَمَنْ أَعَانَ أَحَدًا مِنْهُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْأَلْبِسَةِ وَالْأَطْعِمَةِ وَغَيْرِهَا فَكَأَنَّمَا زَنَى مَعَ أُمِّهِ سَبْعِينَ مَرَّةً فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ.
فَعِنْدَهَا يَلِيهِمْ أَشْرَارُ أُمَّتِي، وَتُنْتَهَكُ الْمَحَارِمُ وَتُكْتَسَبُ الْمَآثِمُ وَتُسَلَّطُ الْأَشْرَارُ عَلَى الْأَخْيَارِ، وَيَتَبَاهَوْنَ فِي اللِّبَاسِ وَيَسْتَحْسِنُونَ أَصْحَابَ الْمَلَاهِي وَالزَّانِيَاتِ، فَيَكُونُ الْمَطَرُ قَيْظًا وَيَغِيظُ الْكِرَامُ غَيْظًا، وَيَفْشُو الْكَذِبُ وَتَظْهَرُ الْحَاجَةُ وَتَفْشُو الْفَاقَةُ.
فَعِنْدَهَا يَكُونُ أَقْوَامٌ يَتَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ لِغَيْرِ اللَّهِ، فَيَتَّخِذُونَهُ مَزَامِيرَ،وَيَكُونُ أَقْوَامٌ يَتَفَقَّهُونَ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَيَكْثُرُ أَوْلَادُ الزِّنَى، وَيَتَغَنَّوْنَ بِالْقُرْآنِ،فَعَلَيْهِمْ مِنْ أُمَّتِي لَعْنَةُ اللَّهِ، وَيُنْكِرُونَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ حَتَّى يَكُونَ الْمُؤْمِنُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَذَلَّ مِنَ الْأَمَةِ، وَيُظْهِرُ قُرَّاؤُهُمْ وَأَئِمَّتُهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمُ التَّلَاوُمُ وَالْعَدَاوَةُ، فَأُولَئِكَ يُدْعَوْنَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْأَرْجَاسَ وَالْأَنْجَاسَ.
وَعِنْدَهَا يَخْشَى الْغَنِيُّ مِنَ الْفَقِيرِ أَنْ يَسْأَلَهُ، وَيَسْأَلَ النَّاسَ فِي مَحَافِلِهِمْ فَلَا يَضَعُ أَحَدٌ فِي يَدِهِ شَيْئًا.
وَعِنْدَهَا يَتَكَلَّمُ مَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَلِّمًا.
فَعِنْدَهَا تُرْفَعُ الْبَرَكَةُ وَ يُمْطَرُونَ فِي غَيْرِ أَوَانِ ال
مَطَرِ، وَإِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ السُّوقَ فَلَا يَرَى أَهْلَهُ إِلَّا ذَامًّا لِرَبِّهِمْ، هَذَا يَقُولُ لَمْ أَبِعْ، وَهَذَا يَقُولُ لَمْ أَرْبَحْ شَيْئًا.
فَعِنْدَهَا يَمْلِكُهُمْ قَوْمٌ إِنْ تَكَلَّمُوا قَتَلُوهُمْ، وَإِنْ سَكَتُوا اسْتَبَاحُوهُمْ،يَسْفِكُونَ دِمَاءَهُمْ وَيَمْلَئُونَ قُلُوبَهُمْ رُعْبًا، فَلَا يَرَاهُمْ أَحَدٌ إِلَّا خَائِفِينَ مَرْعُوبِينَ.
فَعِنْدَهَا يَأْتِي قَوْمٌ مِنَ الْمَشْرِقِ وَقَوْمٌ مِنَ الْمَغْرِبِ، فَالْوَيْلُ لِضُعَفَاءِ أُمَّتِي مِنْهُمْ، وَالْوَيْلُ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ، لَا يَرْحَمُونَ صَغِيرًا وَلَا يُوَقِّرُونَ كَبِيرًا، وَلَايَتَجَافَوْنَ عَنْ شَيْءٍ، جُثَّتُهُمْ جُثَّةُ الْآدَمِيِّينَ، وَقُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ، فَلَمْ يَلْبَثُوا هُنَاكَ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى تُخُورُ الْأَرْضُ خَوْرَةً، حَتَّى يَظُنَّ كُلُّ قَوْمٍ أَنَّهَا خَارَتْ فِي نَاحِيَتِهِمْ، فَيَمْكُثُونَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يَمْكُثُونَ فِي مَكْثِهِمْ،فَتُلْقِي لَهُمُ الْأَرْضُ أَفْلَاذَ كَبِدِهَا. “قَالَ ذَهَبًا وَفِضَّةً، ثُمَّ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْأَسَاطِينِ، قَالَ فَمِثْلُ هَذَا”، فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ ذَهَبٌ وَلَا فِضَّةٌ، ثُمَّ تَطْلُعُ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا.
مَعَاشِرَ النَّاسِ، إِنِّي رَاحِلٌ عَنْ قَرِيبٍ وَمُنْطَلِقٌ إِلَى الْمَغِيبِ، فَأُوَدِّعُكُمْ وَأُوصِيكُمْ بِوَصِيَّةٍ فَاحْفَظُوهَا:
إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ، كِتَابَ اللَّهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا.
مَعَاشِرَ النَّاسِ، إِنِّي مُنْذِرٌ وَعَلِيٌّ هَادٍ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
السيد محمد علي العلوي
15 مايو 2016 ميلادية