منعطف البقاء

بواسطة Admin
0 تعليق

في فترة من الفترات، وتحديداً بعد استشهاد الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام) وتسلط الأموين على مقدرات الدولة الإسلامية، وعدائهم المعلن لأهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) وشيعتهم، كان بقاء النهج الإسلامي الأصيل مهدداً بسيوف الظالمين ورماح الجائرين بمساعدة ذلك الانتشار المخيف لخطوط النفاق وتيارات الرياء والكذب، حتى أن أحد أصحاب الإمام الصادق (عليه الصلاة والسلام) وهو سدير الصيرفي يروي أنه دخل ذات يوم على الإمام (عليه الصلاة والسلام) فقال: والله ما يسعك القعود، فقال: ولم ياسدير؟ قلت: لكثرة مواليك وشيعتك وأنصارك والله لوكان لامير المؤمنين عليه السلام مالك من الشيعة والانصار والموالي ماطمع فيه تيم ولا عدي، فقال: يا سدير وكم عسى أن يكونوا؟ قلت: مائة ألف، قال: مائة ألف؟ قلت: نعم، ومائتي ألف قال: مائتي ألف؟ قلت: نعم ونصف الدنيا قال: فسكت عني ثم قال: يخف عليك أن تبلغ معنا إلى ينبع قلت: نعم فأمر بحمار وبغل أن يسرجا، فبادرت فركبت الحمار، فقال: ياسدير أترى أن تؤثرني بالحمار؟ قلت: البغل أزين وأنبل قال: الحمار أرفق بي فنزلت فركب الحمار وركبت البغل فمضينا فحانت الصلاة، فقال: ياسدير انزل بنا نصلي، ثم قال: هذه أرض سبخة لاتجوز الصلاة فيها فسرنا حتى صرنا إلى أرض حمراء ونظر إلى غلام يرعى جداء فقال: والله يا سدير لوكان لي شيعة بعدد هذه الجداء وما وسعني القعود، ونزلنا وصلينا فلما فرغنا من الصلاة عطفت على الجداء فعددتها فإذا هي سبعة عشر.

كم هي مأساوية هذه الراوية، فهي تظهر لنا المعاناة التي كان يعانيها أئمتنا (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) من قلة العدد والناصر، فلله در أولئك الخلّص الذين كانوا معهم قلباً وقالباً.

في تلك الظروف الخانقة كان الأئمة (عليهم الصلاة والسلام) يترقبون الفرص حتى يعمقوا لجذور التشيع فتأمن الثمرة من اقتلاع أصلها حتى جاء ذلك اليوم الذي شد فيه العباسيون أحزمة الحرب ورفعوا شعاراتهم الكاذبة من أجل الإطاحة بالعرش الأموي الجائر.

هناك تحرك إمامنا الصادق (صلوات الله وسلامه عليه) مستثمراً اشتغال الظالمين بالظالمين ففتح جامعته العلمية العظمى في مسجد جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) لإيمانه بأن الثبات عن قناعة واعتقاد لا يمكن أن يتأتى إلا من بوابة العلم والمعرفة، فأخذ على عاتقه تربية أجيال من العلماء في العقيدة والفقه من جهة، والفيزياء والكيمياء من جهة اخرى، والسياسة والاجتماع في ثالثة، وغير ذلك من علوم الطب والهندسة والفلك، حتى أصّل لقاعدة علمية جماهيرية نحن اليوم نتنفس التشيع ببركتها وفضل عنفوانها.

إننا –أيها الأحبة- في زمن نحتاج فيه رجوعاً راشداً لساحات العلم والعبادة حتى نحافظ على منعطف البقاء الذي أحدثه إمامنا الصادق (عليه الصلاة والسلام) بنهضته العملية العظيمة.

السيد محمد علي العلوي

18 شوال 1430هـ

8 أكتوبر 2009

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.