الذهن … مساحة هائلة جداً أودعها الله سبحانه وتعالى الإنسان ليمكنه من التخطيط السليم وتحويل المخططات والرؤى المنطقية إلى واقع يعيشه فعلاً وحقيقةً، فنحن لو ندقق النظر لوجدنا بأن إقامة دولة عظيمة مترامية الأطراف والنفوس كالدولة الإسلامية لم يكن في يوم من الأيام إلا (وهماً) تمكن منه رسول الإنسانية محمد (صلى الله عليه وآله) فمارسه على مستوى النظر ومن ثم التطبيق حتى كنت أنا وأنت وهي وهو ونحن، أقول (وهم) في تجاوز مني لتعريفات المنطقية، وإلا فالقضية كانت تخطيطاً واقعياً على مستوى الذهن الإنساني. إننا اليوم نملك هذه الطاقة الذهنية الهائلة، ولكن الكثير منا يستخدمها في الاتجاه الخاطئ وبطريقة كارثية جرت المجتمع إلى مستنقعات من الأكاذيب التي تحولت إلى حقائق نعيشها ولا نتمكن من معالجتها، فإنسان اليوم وفي كثير من مقاطع الحياة يتوهم أموراً ومعادلات يمكنها من نفسه، على عكس ماكان عليه الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) عندما تمكن هو منها، وبالتالي يعيش أجواء الضغط حتى يصل إلى جادة خطيرة من التسليم لتلك الأوهام فيعيشها واقعاً يفرضه على نفسه والآخرين ولا يترك مجالاً لمناقشته فيها والتحاور معه بخصوصها. أضرب لكم مثالاً واحدً لمعرفتي بأنكم أهل علم ومعرفة وفن، تتمكنون من المقايسة والخروج بالثمرة كما ينبغي.
في زماننا المعاصر نعيش حالة من الإنكسار على مستوى الكرامة المعيشية والفكرية على حد سواء، فنحن مغلوب على أمرنا الذي لا نملك منه شيئاً؛ ألا ترون أن حياتنا تسير وكأنها مبرجمة الكترونياً؟
في الصباح ننتشر في الأرض طلباً للرزق، وحتى المساء نبقي على أنفسنا في دولاب (الرزق) يتلاعب بنا ضغطاً وتكسيراً مدفوعين بوهم (لقمة العيش)، وبالفعل تمر أيام الشهر وتنقضي على مدخول شهري لا تطمئن له نفوسنا ألف دينار كان أو مئة، فالحال سواء!!
لقد أثر وهم (لقمة العيش) على روحنا الرسالية وواجباتنا الدعوية والتبليغية؛ فالشغل والعمل يمتد من الصباح وحتى ما بعد تشابك النجوم، وبالتالي لا مساجد نعمرها ولا مجالس ذكر نستئنس بها، بل والأكثر من ذلك أننا فقدنا طعم الإتصال بالله تعالى، هذا إن لم نكن قد فقدنا الإتصال أصلاً. كل هذا يجري علينا في الوقت الذي ينادي فيه الله عزوجل قائلاً (نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم)!!
فالإنسان –أيها الأحبة- ليس عليه إلا الموازنة بين عمله التعيشي وبين دوره الرسالي، أما النتيجة فيتكفل بها المولى جلت قدرته، ولكن الحاصل هو أننا ألغينا (عملياً) دور السماء في حياتنا وعشنا (وهم) المسئولية الكاملة فأصبحنا كالآلة التي تبقى في شغل دائم من أجل (الانتاج)!
أخوتي الكرام..إنني في هذه السطور أدعوكم لنهضة حاسمة على سوق الوهم، والعودة المنطقية لقوانين القرآن الكريم حتى نعود وبجدارة لما كنا عليه..خير أمة أخرجت للناس..
السيد محمد علي العلوي
25 شوال 1430هـ
15 أكتوبر 2009