عندما يراد للذهب أن يكون محطاً لإعجاب الناس وانجذابهم فإن أهله يعرضونه أولاً للحرق والدق والدعك بقوة شديد حتى يبدأ طريقه الذهبي نحو التألق واللمعان، وهكذا –تقريباً- يعملون مع الكريم من الأحجار، وكذلك الحديد الذي يقوم عليه بناء أعلى العمارات وأقواها، وفي شاهد آخر على ما نحن بصدده ترى الشمس كيف تتسلط بأشعتها الذهبية على الإنسان فتخرج السموم من جسمه في هيئة العرق، وتضرب في عظامه فتمده فيتامين (د) الذي يشد عظام جسمه ويقويها.
إنها طريقة الله –تعالى- في إظهار الجمال وروعته، فقد قال –جلَّ شأنه- (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ)، وقال –سبحانه- (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ).
إننا –أيها الأحبة- نعيش السجن وأحواله في هذه الدنيا البائسة لأننا مؤمنون وهي سجن للمؤمنين، ولأننا موالون وعلى الموالي أن يدفع فاتورة الحق الذي يدور مع علي بن أبي طالب (عليه الصلاة والسلام) أينما دار، لذلك فنحن لا ننتظر رحمة إنسان ولا رأفة مخلوق، فإيماننا برحمة المولى –تبارك ذكره- وعناية خليفته بالحق إمامنا المهدي المنتظر (صلوات الله وسلامه عليه) يجعلانا نقف صامدين ثابتين أمام التحديات التي أتخمت التاريخ أحاديث وحوادث تنوعت أشكالها وتعددت ألوانها بصياغة سقيفية أموية عباسية حتى وصل الأمر إلى القرن الثاني عشر الهجري عندما أشهر النصب أحقاده وكشر عن أنيابه فتحرك بقيادة إبليسية شيطانية ليعمل معاول الخبث في قبب النور البقيعية هادماً معالمَ إسلامية كانت ولا تزال خير مذكر للمؤمنين برحمة الله –تعالى- ولطفه (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ).
إن ما نواجهه نحن الشيعة ومنذ زمن الإنقلاب الأول لم يكن إلا لأننا على الحق لا نحيد عنه أبداً، ولو لم نكن كذلك لما بقي لنا من ذكر؛ فالحرب التي أثاروها ضدنا بكل ما يملكون من وسائل، كفيلة بأن تفني أقوام وأقوام من البشر إن لم يكن جسدياً فلا أقل على مستوى الفكر والمعتقد، ولكن الحاصل هو أن استشهاد الآلاف من شيعة أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) وهم يصلون الفرائض في مساجد الباكستان والعراق والهند وغيرها يجعل جذور الولاء الشيعي تضرب في عمق أرض الإيمان أكثر وأكثر في كل بقاع الأرض.
بعد أن تشكل منعطف الإنقلاب في السقيفة وسارت أمور الحكم كما أرادوا لها، أصبح من المهم جداً أن نستوضح طريقنا والمنهج الذي ينبغي لنا سلكه في مواجهة هذا الجور التاريخي حتى نبقى على السراط لحين الظهور المقدس لقائدنا المهدي (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)، وهذا يحتاج منا إلى دقة في قراءة النصوص التاريخية والخروج بالثمرة من خلال العناية بمعرفة سيرة الأئمة (عليهم الصلاة والسلام) والكيفية التي واجهوا بها الظلم والجور على مدى ثلاثة قرون من الزمن، ولهذا شرط هو غاية في الأهمية، أبينه في السطور التالية مراعياً الإجمال والاختصار معولاً على ثقتي في وعيكم ومعرفتكم.
مما شوش بنائنا الثقافي القراءة الاقتطاعية للتاريخ عموماً وسيرة أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) على وجه الخصوص، وشاهد ذلك تكرار السؤال القائل: أفي زمن الحسن نحن أم في زمن الحسين (عليهما الصلاة والسلام)؟
إن هذا السؤال يدل على خلل في الوعي بفلسفة التاريخ وموضوعيتها في استشراف المستقبل؛ فالتاريخ ليس حقبة زمنية واحدة اشتملت على أطراف معينة فعل أشخاصها وانفعلوا وتفاعلوا فكانت الأحداث، بل هو زمن يمتد بامتداد الجذر التاريخي للفكرة والحدث، وحتى تتضح الصورة أقول بأن المعصومين (عليهم الصلاة والسلام) هم أربعة عشر انطلق نورهم بمحمد (صلى الله عليه وآله) وتم ضيائهم بالقائم المنتظر (صلوات الله وسلامه عليه)، فعندما نريد التعرف على الكيفية التي نواجه بها ظلم الزمان، كان علينا استحضار الأصل في السيرة المطهرة ومن ثم اسقاط المنهج الموضوعي بالنظر إلى كل زوايا القضية، فستكون النتيجة هي أن المعصومين (عليهم الصلاة والسلام) اجتمعوا في سيرتهم على المواجهة الصريحة بالسيف مرة وبالكلمة أخرى .. وعليكم –أيها الأحبة إكمال أسطر هذا المقال ..
السيد محمد علي العلوي
11 شوال 1430هـ
1 أكتوبر 2009