في صبيحة الأول من شوال الخير وقفت أمام باب المسجد وشعرت بابتسامة تسترق رسمتَها من باب قد أُغلق عن مجموعة لا يتمكن المسجد من استيعاب أفرادها بعد أن ازدحم بالمصلين .. ارتسمت بسمة على وجهي وتذكرت تلك الليالي التي أبحث فيها عن موقف لسيارتي عندما يتسابق المؤمنون للمشاركة في الإحياءات الخاصة بشعائر الله –تعالى- في أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، وفي لحظة رجعت لبعض الليالي الفائتة متذكراً إحداها ونحن فيها في نفس المسجد نتمرغ في نعم ورحمة ليلة القدر الشريفة .. صورٌ جميلةٌ كلها مرت في مخيلتي للحظات كادت أن تحرقها صورة أخرى، هي صورة المسجد في صلاة الفجر أو الظهرين، أو العشائين، ولكني قاومتها وقررت أن استمتع بتلك اللحظات ونحن نصلي العيد.
فرغنا من الصلاة والخطبتين وتبادل التهاني وهممنا بالخروج من المسجد على أمل العودة ثانية لأداء العشائين!!
هنا فَرَضَتْ الصورةُ الأخرى نفسها على كل الصور الجميلة التي زينتها صورة صلاة العيد .. وبدأ مشوار الحيرة بقيادة السؤال الصعب: هل إيماننا إيمان مناسبات فقط؟ أحبتي ..
إنني في هذه السطور لن أذهب في تحليلات قد لا تناسب طبيعة مقالات الخميس، ولكنني سأطرح عليكم نظرية توصلتُ إليها واقتنعت بصحتها جداً، وهي: إن كل عبادة واجبة أو مستحبة لايمكن أن تثمر إلا بالتتابع الاستقبالي. دعوني أوضح لكم المعنى ..
لاشك أن وجودنا في هذه الحياة الدنيا محكوم مباشرة بعاملي المكان والزمان، وهذا يعني أننا في حركة دائمة لا سكون فيها على الإطلاق، فأي عمل نقوم به تستقبلنا آثاره جبراً وقهراً، وفيما يختص بموضوعنا لهذا الأسبوع نستشهد بآيتين كريمتين فيهما الكفاية لبيان القصد والتعرف على موقعنا من خارطة رضا الله –تعالى- ..
يقول تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ)، ويقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
لاحظوا أن من آثار الصلاة، أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، ومما يرجى ويؤمل من الصيام أنه يؤدي على التقوى، وكلاهما (الفحشاء والمنكر، والتقوى) يلازمان وجود الإنسان دون انفكاك ولو لطرفة عين، سواء بنفسيهما أو بضديهما، فالإنسان إما أن ينتهي عن الفحشاء والمنكر، أو أنه لا ينتهي، وإما أن يكون متقياً وإما أن لا يكون، أما المتحكم في التوجيه فهو ما بينه الله تعالى في الآيتين .. صلاة، وصيام، ولا يمكن لهما أن يؤثرا إلى بالمداومة والالتزام بشروطهما دون إخلال.
قد يقال: إننا نصوم الشهر الكريم ونصلي الصلوات الخمس، وليس مما يفيد وجوب أداء الصلاة في المسجد جماعة.
أقول لهؤلاء الأحبة: إننا كلنا مسئولون عن مجتمعنا، ومسئولون عن بعضنا البعض، وهذا لقوله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، وفي اهتمامنا بصلاة الجماعة وإعمار المساجد أعظم التجسيد لمعاني هذه الآية المباركة.
إننا مطالبون بأن نعكس الصورة المثلى في أنفسنا وفي المجتمع لديننا الإسلامي العظيم، وهذا يحتاج منا إلى تكاتف وعمل متواصل حتى نحقق الأمل، وهو التمهيد الحقيقي لدولة صاحب الأمر (أرواحنا لتراب مقدم خدامه الفداء).
السيد محمد علي العلوي
4 شوال 1430هـ
24 سبتمبر 2009