ما دعاني إلى إعادة نشر مقالة (كن في الفتنة كابن اللبون) اختلال الضبط في الكثير من الاحتجاجات بفعل المعصوم (عليه السلام) لتصحيح نظرية أو فكرة أو فعل معاصر..
نعم.. قولُ المعصومِ (عليه السلام) وفعله وتقريره حجَّةٌ على كون القول أو الفعل أو التقرير صحيحًا شرعًا، أمَّا مسألة التطبيق لكونه شرعيًا فهذا أمر آخر..
دعوني أضرب مثالًا واحدًا..
لو ثبتَ أنَّ الرسول الأكرم (صلَّى الله عليه وآله) قد رعى الغنم، أو أنَّ الإمامَ أمير المؤمنين (عليه السلام) قد عمل في الفِلاحة، فهل يُحتجُّ بذلك على صحَّة رعي طالب العلم أو العالم للغنم أو صحَّة عمله في الفِلاحة؟
لاحظوا بأنَّ الكلام ليس في الحكم الشرعي..
أوَّلًا: المعصوم (عليه السلام) كاملٌ واستزادته للعلم من الله تعالى مباشرة، دون حاجة لا لمذاكرة ولا لحضور دروس ولا ما نحو ذلك، فعمله لا يُؤثِّر على تحصيله العلمي، وهذا على خلاف طالب العلم الذي يحتاح إلى كلِّ لحظةٍ للتحصيل وللمحافظة على ضبطه وذاكرته..
ثانيًا: هيبة المعصوم (عليه السلام) ووقاره ووجاهته من خصائصه، حتَّى أنَّ قاتل الإمام الحسين (عليه السلام) شغله نورُ وجهه العلوي!!
أولسنا نقرأ أنَّ الإمام (عليه السلام) إذا أقبل على من لا يعرفه قال هذا الأخير: عليه سيماء الأنبياء والأولياء؟
أمَّا طالب العلم والعالِم فهو في حاجة إلى التزام مسارات وأعراف خاصة لبناء شخصيته والمحافظة على وجاهتها، ولذلك فإنَّ ما هو طبيعي للمعصوم (عليه السلام) قد يكون مخالفًا للمروءة بالنسبة لغيره، إذ أنَّ مدار المروءة مُحقِّقات الكمال. فافهم..
ولا يغيب عنك مدخلية الزمن والأعراف في توجيه القيود..
مِن هنا كان من الضرورة بمكان التطرُّق إلى القيود الحالية الواردة على إطلاق (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)، وهذا ما حاولتُ بيانه في المقالة التي تجدون رابطها في (البايو)..
من المهم الانتباه إلى ضرورة أخذ الحيثيات والجهات الموضوعية في مطلق المقايسات والتطبيقات، وكذا في التجوزات، وهذا من المبادئ في الميزان..
ملاحظة: نُشِر هذا المقال في 5 أبريل 2020 للميلاد