بداية أرجو التأمُّل في المضامين العالية لهذه الرواية العظيمة التي ترويها أمُّ أيمن عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، وكانت قد قصدت بيت الزهراء (عليها السلام) فوجدتها نائمة ورحاها تدور، ومهد الحسين (عليه السلام) يهت فتعجبت ورجعت إلى النبي (صلَّى الله عليه وآله) سائلة.. فقال:
“فوكل الله ملكًا، يطحن عنها قوت عيالها، وأرسل ملكًا آخر، يهز مهد ولدها الحسين (عليه السلام) لئلا يزعجها عن نومها، ووكل الله تعالى ملكًا آخر، يسبح الله عزَّ وجلَّ قريبًا من كفِّ فاطمة يكون ثواب تسبيحه لها، لأنَّ فاطمة (عليها السلام) لم تفتر عن ذكر الله عزَّ وجلَّ، فإذا نامت جعل الله ثواب تسبيح ذلك الملك لفاطمة (عليها السلام)”. (رواه البحار ج٣٧ ص٩٧، مدينة المعاجز ج٤ ص٤٧)
عندما يقول زيدٌ لبكرٍ: (أنا خادمٌ لكَ يا بكر)، فهذا تواضعٌ وتذللٌ من زيدٍ لبكرٍ..
الأمر ليس كذلك مع النبي الأكرم وأهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، فالخادم له جهةٌ ثانية غير نسبته لهم (عليه السلام) وهي جهة مقامه العالي الذي أهله إلى مرتبة عالية عزيزة شغلها ملائكة العزيز الجبَّار..!!
أمَّا الخادم لهم (عليهم السلام) من البشر فهو الذي يأذنون له بدخول بيوتهم والإطِّلاع على جوانب من حياتهم..!!
إنَّه مقام رفيع وفي غاية الخطورة؛ كيف لا، ومن يُخلُّ بشروطه وضوابطه يكون عرضةً للحطِّ والضياع، وهو، كما في النظر القاصر، من قبيل (وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ۚ ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)..؟!
وكذا مَنْ يسعى لمقام (خدمة الشريعة الغرَّاء)، وما نحو ذلك من مقامات يظهر بها العبدُ على سائر العِباد، ولذلك كان مقام الخدمة لأهل البيت (عليهم السلام) وللشريعة الغرَّاء مقام رفعةٍ وعلو وبروزٍ، ومسؤولية عظمى. لا مقام تواضع وتذلُّلٍ كما هو الحال في موازين البشر..
ندعوك اللهمَّ بما دعاك المنادى في السماء بزين العابدين:
“اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَلا تَرْفَعْنِي فِي النَّاسِ دَرَجَةً إِلاَّ حَطَطْتَنِي عِنْدَ نَفْسِي مِثْلَهَا، وَلا تُحْدِثْ لِي عِزّاً ظَاهِراً إِلاَّ أَحْدَثْتَ لِي ذِلَّةً بَاطِنَةً عِنْدَ نَفْسِي بِقَدَرِهَا”
علينا أن نحذرَ حذرًا شديدًا؛ فالألقاب لها خطرها العظيم، وهي ليست مجرّد حروف يُتَزَيَّنُ بها..
تاريخ المنشور 31 مارس 2020 للميلاد